الأمم المتحدة: مجهود جماعي للنهوض بحقوق المرأة في العصر الرقمي
لفتت الأمم المتحدة الانتباه إلى معطى مقلق: خلال العقدين الماضيين، لم يعد التقدم المحرز في مجال حقوق المرأة يمثل أولوية، بل ترك المجال أمام العديد من التحديات التي تفاقمت بسبب تداعيات جائحة “كوفيد-19″، والحرب في أوروبا، وأزمات الغذاء والمناخ.
من المساواة بين الجنسين، إلى التمكين الاقتصادي، مرورا بالعدالة الرقمية ومكافحة العنف عبر الإنترنت، تتعثر الجهود، لتتم الدعوة إلى تجديد التزام الحكومات بتحقيق الهدف الخامس ضمن أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بحلول العام 2030.
في هذا الإطار، تنعقد أشغال الدورة السابعة والستين للجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة، مع تركيز خاص على سبل تقليص الفجوة “الهائلة” بين الجنسين في مجال الابتكار والتكنولوجيا.
وبخصوص هذا الموضوع، المرتبط بشكل وثيق بالتنمية المستدامة، أقرت رئيسة الدورة الـ67 للجنة وضع المرأة، ماثو جوييني، خلال الجلسة الافتتاحية لهذا الحدث، بأن التكنولوجيات الرقمية تعمل على تغيير المجتمعات بسرعة، مما يؤدي إلى ظهور تحديات جديدة “عميقة” يمكن أن تساهم في استدامة وتعميق التفاوتات القائمة بين الجنسين.
وأوضحت خلال هذه الجلسة، التي ناقشت سبل تحقيق المساواة بين الجنسين والتمكين والتنمية المستدامة في العصر الرقمي، أن “التمييز القائم على النوع الاجتماعي يعد إشكالا منهجيا أصبح يتداخل مع نسيج حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقطاع التكنولوجيا لا يحيد عن ذلك”.
وفي كلمة خلال هذا الحدث الأممي الكبير، الذي يشارك فيه المغرب بوفد يتألف، على الخصوص، من وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، عواطف حيار، والوالي المنسق الوطني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، محمد الدردوري، لم يتردد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش في التأكيد على أن التقدم الذي تحقق في مجال حقوق المرأة خلال عقود “يتلاشى أمام أعيننا”. في أفغانستان، تم محو النساء والفتيات من الحياة العامة. في الكثير من الأماكن، تتراجع حقوق النساء الجنسية والإنجابية”.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، مستدلا بمعطيات هيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن “المساواة بين الجنسين أصبحت هدفا بعيد المنال”، معتبرا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب، و”بالوتيرة الحالية”، الانتظار لـ300 عام إضافية.
وانتقد تزايد وفيات الأمهات عند الإنجاب، وكذلك الأثر المتباين لجائحة كوفيد-19 والنزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم على النساء.
وتطرق إلى الاهتمام الخاص، هذه السنة، بتقليل الفوارق بين الجنسين في مجالات التكنولوجيا والابتكار، معتبرا أن “التوقيت لا يمكن أن يكون أفضل”. وأقر بأنه “وفيما يتسارع تطور التكنولوجيا، تُترك النساء والفتيات خلف ركب التقدم”.
ولتغيير هذا الاتجاه، تعتبر الأمم المتحدة أنه يتعين على المجتمع الدولي توفير بيئة رقمية آمنة للنساء والفتيات، من خلال تطوير “مدونة سلوك خاصة بنزاهة المعلومات على المنصات الرقمية بهدف تقليص الأحكام المسبقة وزيادة المسؤولية مع الدفاع عن الحق في حرية التعبير”.
وبالنسبة للمسؤول الأممي، فإن تعزيز المساهمة الكاملة للمرأة في العلوم والتكنولوجيا والابتكار لا يعد عملا خيريا أو معروفا إزاء المرأة، بل “واجبا” يستفيد منه الجميع.
في السياق ذاته، أكد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، تشابا كوروسي، أن “العالم بحاجة إلى خبرات المرأة لمواجهة الأزمات المعقدة والمتشابكة، من تغير المناخ والصراع إلى الفقر والجوع وشح المياه”.
بيد أن النساء، يستطرد المتحدث، مازلن يمثلن أقلية في مجال تكنولوجيا المعلومات الرقمية وعلوم الحاسوب والفيزياء والرياضيات والهندسة، ويشكلن أقل من 35 في المائة من القوة العاملة العالمية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وحذر من أن “احتمال استخدامهن للإنترنت يقل بنسبة 20 في المائة مقارنة بالرجال، غير أن احتمال تعرضهن للمضايقات عبر الإنترنت أو خطاب الكراهية يزيد بنسبة 27 مرة عندما يقمن بذلك”، مبرزا أن الاستخدام الجيد للتكنولوجيات الجديدة يوفر لهن “فرصة قوية للتعادل لتغيير هذا الوضع”.
وخلال النقاشات والموائد المستديرة التي تشهدها هذه الدورة الجديدة التي تتواصل إلى غاية 17 مارس الجاري، أبرزت غالبية الدول الأعضاء، ومن بينها المملكة المغربية، على مركزية حقوق المرأة ضمن برامجها الوطنية، مشيرة إلى أن المرأة تنخرط في الدينامية الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة بحلول العام 2030.
وأكدت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، عواطف حيار، أن النساء والفتيات يوجدن في صلب النموذج التنموي الجديد الذي يدعم مقومات اقتصاد تنافسي دامج ومستدام، يرتكز على الإبداع والابتكار والرقمنة، ويأخذ بعين الاعتبار تطلعات مختلف الفئات الاجتماعية.
وأوضحت أن المملكة اعتمدت عدة إصلاحات جذرية تعتمد الرقمنة، من قبيل إطلاق “الأكاديمية الرقمية” و”أكاديمية التمكين” الموجهة للنساء في وضعية هشاشة، وتأهيل البنيات التحتية الإدارية والمؤسساتية لتقليص الفجوة الرقمية وتعزيز مجانية الولوج للخدمات المرقمنة خاصة للفئات الهشة.
وبالنسبة للأمم المتحدة، فإن الهدف المتوخى، عبر أرجاء المعمور، يتمثل في السهر على حصول النساء على المزيد من الفرص للابتكار، ومنع استمرار التحيزات الخوارزمية.
وفي هذا الإطار، توصي هيئة الأمم المتحدة للمرأة بسد جميع الفجوات في ما يتعلق بالوصول إلى العالم الرقمي والمهارات، وتشجيع النساء والفتيات على الانخراط في مسار قطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وابتكار تكنولوجيات تستجيب لاحتياجات النساء والفتيات، والتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تسهله التكنولوجيا.
وبرأي المراقبين، فإن هذه الأهداف لا تمثل عالما من المثل، بل هي حقيقة صرفة وبسيطة، يتطلب تحقيقها التزاما صادقا وتوفر إرادة سياسية لدى جميع الفاعلين المعنيين.