لم تكن مليكة لحمر، سليلة ضواحي تيفلت والمظلية بالفريق النسوي التابع للقوات المسلحة الملكية، تعلم أنها نهايتها ستكون بين أحضان مجال عشقته حدّ الثمالة واختارته عن قناعة تامة، غير أنّ كلمة القدر كانت أقوى لتترك حزنا دفينا في قلوب عائلتها والمقربين منها.
وبما أنّ إكرام الميت دفنه، وُري جثمانها الثرى، أمس الخميس بعد أن أرخى الليل سدوله بمقبرة سيدي سليمان بدوار الخيايطة، حيث علت صرختها الأولى ليتقاطر مجموعة من المعزّين على المكان وتتحول الساحة المحاذية للمنزل إلى فضاء لتلقي التعازي ومشاركة عائلتها في مصابها الجلل.
صديقة طفولتها بكت رحيلها ولم تتمالك نفسها بعد أن بلغها “الخبر الصاعقة” وهي تعيد إلى الواجهة ذكريات الطفولة بكل تفاصيلها ضمن سيناريو انتهى برائحة الموت، فلا شيء يطفو سوى النحيب والبكاء بسبب لوعة الفراق و”الموت الفجأة” في استحضار تام لعبارة “لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى”.
وُلدت الفقيدة بجماعة عين الجوهرة سيدي بوخلخال المحسوبة ترابيا على دائرة تيفلت بإقليم الخميسات وعلت صرخة ميلادها سنة 1990 بمنزل والدها الفلاح بدوار الخيايطة القروي إلى أن وافتها المنية عن سن الثلاثين سنة.
في جو عائلي يغلب عليه طابع البساطة والبداوة، ترعرعت البطلة المظلية قبل أن تلقى حتفها في حادث عرضي أثناء قيامها بالتداريب رفقة الفريق النسوي التابع للقوات المسلحة الملكية وذلك تمهيدا للمشاركة في إحدى المسابقات الدولية. تابعت مليكة التي ملكت بطيبتها وعفويتها حب المقربين منها، دراستها الإبتدائية بمجموعة مدارس الجغيدرات بجماعة عين الجوهرة سيدي بوخلخال بعيدا عن صخب المدينة وضجيجها وبعدها أتممت دراستها الإعدادية والثانوية بمدينة تيفلت، وهي تتسلح بالعلم والمعرفة وتتحدى الصعاب وكان طموحها العالي هو دليلها في الحياة قبل أن تحصل على شهادة الباكالوريا سنة 2009.
بمنزل عائلتها الذي وُلدت فيه، لا سلطة تعلو غير سلطة الحب والرضا بحياة عادية لا تشوبها شائبة، فلا خوف على جاه يزول ومال ينضب، بل الخوف كل الخوف من تقلبات الحياة ومنغّصاتها وهي بين يدي أسرة رأس مالها الشرف والعفة والكلمة الطيبة، غير أنها لم تُدر ظهرها للهواجس والظنون بل أكملت مسارها وهي تنهل من ينابيع المعرفة وتواجه الزمن بالتحصين بالدراسة.
بمجرد أن أنهت مرحلة التعليم الثانوي بنجاح، التحقت بصفوف القوات المسلحة الملكية بسلك لواء المظليين بصفتها ضابطة صف وكان حلمها وشغفها بمجالها دافعا لها بأن تسير فيه قدما وهي تضع نصب أعينها المهمة المنوطة بها.
وبعد أن اختارت عن قناعة ميدانا آمنت به، كانت الخدمة العسكرية بمثابة مجرى الدم الذي يسري في عروقها، خاصة أمام تشجيع الأطر العسكرية لها طيلة إحدى عشرة سنة التي أمضتها باللواء بعد أن كانت ضمن اللواء الأول للمشاة المظليين في سنة 2009.
النجاح هو الترياق الذي واجهت به الفشل والإحباط طيلة فترات حياتها وهي مصممة على التفوق إلى أن بلغت رتبة لا يستهان به والمتمثلة في رتبة رقيب أول، إضافة إلى فخرها بانضمامها بفريق القفز المظلي التابع للفوج الأول للمشاة المظليين بالقوات المسلحة الملكية.
لقب البطولة لم تحصل عليه بسهولة، بل كان نتيجة مواظبتها على تداريب مكثفة وهي معلّقة بين السماء والأرض، قبل أن تُتوج في سنة 2019 بالميدالية الذهبية لبطولة العالم العسكرية التي أقيمت بالصين.
بدأ نجمها يسطع بعد تتويجها بالصين في منافسة دولية وهي التي كانت تأمل بأن تخطف تتويجا آخر في مسابقة دولية كانت ستشارك فيها قبل أن تخطفها الموت بشكل فجائي وتضع زوجها وعائلتها وفي مقدمتهم والدتها البدوية البسيطة أمام حقيقة مفزعة تدور رحاها حول خاتمة الحياة إلى موت حتمي لا شك فيه.