بقلم فوزية طالوت المكناسي
كنت أتجول بإحدى أزقة الدار البيضاء عندما التقيت صديقا معروفا بأفكاره اليسارية، وخاطبني بنبرة راضية: ” أرأيت ما يحدث لنا؟ ما يقع على رؤوسنا؟ أصبح لدينا ثلاث نساء عمدات مدن “.
فانتخابات 8 شتنبر، ومعجزة تحالف الأحزاب الثلاثة الفائزة -التجمع الوطني للأحرار والأصالة و المعاصرة والإستقلال- أفرزت فوز ثلاث نساء بعمودية ثلاث مدن كبرى وهي الدار البيضاء ومراكش والرباط: نبيلة الرميلي عن التجمع الوطني للأحرار عمدة العاصمة الاقتصادية، وقد كانت هذه الأخيرة معروفة لدى الرأي العام في فترة الجائحة كمديرة جهوية للصحة؛ وفاطمة الزهراء المنصوري عن حزب الأصالة والمعاصرة رئيسة مجلس المدينة الحمراء بعدما كانت في هذا المنصب بين العامين 2009 و 2015؛ وأسماء غلالو عن التجمع الوطني للأحرار رئيسة مجلس الرباط، وقد أدارت أمانة مكتب مجلس النواب خلال المجلس التشريعي السابق.
وبانتهاء نشوة الانتخابات، ماذا عن واقع الأحداث؟ هل تغيرت العقليات لتتقبل التصويت لصالح امرأة؟ وبمرور عقد من الزمن على دستور 2011، هل استطاع المغرب ربح رهان المساواة بين الجنسين؟
تحديداً وبموجب الفصل 6 من الدستور[1] الذي ينص على أن “…تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.… «
وبموجب الفصل[2]19 الذي ينص على تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وتسعى الدولة بموجب هادا الفصل إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء وتُحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
خصص الدستور 18 حكما متعلقا بحقوق المرأة لكن تطبيقها لا زال متعلقا بملائمة وتوافق ترسانة القوانين. ومن منظور التجسيد الفعال للأحكام الدستورية والاستجابة أيضاً لمطالب المدافعين عن المساواة.
إن اعتماد هذا المبدأ الدستوري للمساواة بين الجنسين يعد خطوة مهمة. كما أن قضية المساواة بين الرجال والنساء في مجال التمثيل السياسي تدخل ضمن الاهتمامات الأولية للمشرع الذي وضع ترسانة قانونية لضمان ذلك.
لكن هل تمكنت النساء من استيعاب واغتنام هذه الحقوق الممنوحة لتتمكن من لعب دورها السياسي؟
حسب وزارة الداخلية فإن عدد المرشحات المسجلات لانتخاب أعضاء مجلس النواب بلغ 2329 مرشحة بنسبة 34،17 في المئة من إجمالي عدد المرشحين، بمن فيهم 1567 مرشحة في الدوائر الانتخابية الجهوية، و762 في الدوائر الانتخابية المحلية. وفي الإجمال فإن 24،03 بالمئة هي نسبة المرشحات أي 96 امرأة بمن فيهم 5 نساء فقط في اللوائح المحلية، وهي نسبة ضعيفة تبلغ 2 في المئة فقط.
أما عدد لوائح الترشيحات لانتخابات أعضاء مجالس الجهات فقد بلغت 678 مقعد، يتنافس عليها 1123، أي 15 مرشحاً لكل مقعد بمن فيهم 450 امرأة، أي 40 في المئة. والحاصل: امرأة واحدة منتخبة على رأس الجهة من بين 12 منتخباً.
وفي نفس السياق، يمكننا ذكر حالة مرشحة على رأس لائحة جهة الدار البيضاء-سطات تم وضعها في المرتبة الثانية بعدما تبين للحزب أن الرجل أكثر أهلية لتصدر اللائحة .
فنسبة المرشحات التي بلغت 30 في المئة تؤكد عزيمة النساء في الانخراط في الحياة السياسية. إنه التزام قوي من النساء اللائي تلقين تشجيعا من المشرع.
وبالتالي فإن الجواب عن سؤال: هل لعبت النساء الدور المنوط بهن ؟هو نعم، لكن العديد منهن توقفن في الساعات الأولى من انطلاقتهن. الآن يمكن أن تكشف القراءة الدقيقة عن عدد الأخوات والزوجات وأخوات الزوجات وبنات العم والصديقات وبنات الصديقات اللواتي وُضعن من طرف صناع القرار من الأحزاب السياسية على رأس القوائم أو في المناصب المواتية لفهم الواقع الكامل والقيمة الحقيقية لهاته النتائج. وهو ما يدفعنا إلى طرح السؤال حول ما إذا كانت الأحزاب السياسية قد لعبت اللعبة حقًا كما سنها المشرع؟
فإلى جانب النصوص، ومنذ عهد محمد السادس وتحت زخم القيادة الملكية المتبصرة، أصبح المغرب في دينامية مستمرة للدفاع وتعزيز المساواة بين الرجل و المرأة. وقد تم إحداث سلطة التكافؤ ومكافحة جميع أشكال التمييز بمهمة أساسية تتمثل في وضع توصيات لمكافحة الممارسات والأعراف التمييزية التي تقوض مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة. و من أجل الحفاظ على دينامية اقتراع 8 شتنبر، والمساهمة في تقوية المسار الديمقراطي الذي سلكه المغرب، أصبحت فهذه السلطة مدعوة الان إلى دراسة وتحليل هاته النتائج من خلال خاصيات النساء المنتخبات و علاقتهن بصناع القرار في الأحزاب.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب يطمح حسب النموذج التنموي الجديد إلى رفع نسبة مشاركة المرأة إلى 45 في المئة في أفق سنة 2035، من أجل مواءمتها مع النسبة التي بلغها المتوسط العالمي المحدد في التقرير الأممي حول المرأة والإتحاد البرلماني الدولي. فلمغرب حقق نسبة 25 في المئة ما دمنا في نسبة 24،3 في المئة.
بالطبع ، النص القانوني ، رغم طموحه وجديته ، يحتاج إلى أن يُترجم إلى الممارسة الميدانية العملية.
فالنساء لازلن أقل تمثيلا في السياسة من حيث النتائج المرسومة. فالطريق لازال طويلا من أجل تحقيق الأهداف الدستورية، لأن الهدف ليس بفرض المرأة عن طريق حصة (كوطة) متحكم فيها من طرف مسؤولي الأحزاب، بل الهدف الأسمى هو أن يتم انتخاب المرأة حسب قدرتها الذاتية لكسب ثقة الناخبين.
وخارج هذا المبدأ، فإن اللعبة الديمقراطية تصبح مزيفة لأن هدف الأحزاب السياسية يقتصر على تحقيق الأغلبية حيث إن هذه الأحزاب لم تفهم بعد أو تتجاهل دور النساء في المجال السياسي المرتكز عل القدرات الفكرية وليس على العلاقات العائلية.
آنئذ فقط، سنكون قد ربحنا رهان المساواة وفق التشريعات الدستورية.
[1] لفصل 6
تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة. ليس للقانون أثر رجعي.
[2] فصل 19
يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. تسعى الدولة إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء.