خيط التراث الشفاهي
فوزية طالوت المكناسي
التفكير في جمع مئة صديق من خلفيات وأوساط ودول مختلفة، يربطهم حب التراث والجمال والأصالة، كان التحدي الذي واجهته لوبنة مونا وهشام كنون، مؤسسا جمعية “لغتنا المواطنة”. لقد كانت مبادرة جمع كل هؤلاء الأشخاص المميزين معًا، ليس فقط للاحتفال أو القيام بمغامرة، ولكن من أجل الوصول إلى الذكاء والقدرة على توحيدهم حول مكان واحد، بهدف اكتشافه ومن ثم تملكه.
يقع هذا المكان الرائع في موقع خالد في وادي أونيلا، داخل قصبة آيت بن حدو الأسطورية ذات الأهمية الإقليمية والتاريخية، والمصنفة ضمن مواقع التراث العالمي لليونيسكو منذ سنة 1987. ولا غرو أن يوم 24 سبتمبر 2022 أصبح يمثل تاريخًا مهمًا لهذين الزوجين المذهلين مع افتتاح تيغمي نوال: دار التراث الشفاهي في قصر آيت بن حدو الواقعة بإقليم ورززات جنوب المغرب.
تم التعريف بدار التراث الشفاهي من قبل المبادرين على أنها “مركز ثقافي وبحثي للموقع، يركز على التراث المحلي غير المادي، وكان الهدف من وراء إنشائه تجنب مخاطر التمثيل السطحي للثقافة المحلية أو تحويلها إلى فولكلور”. ويوضح المبادرون أنه ليس إعادة بناء للبيت الأمازيغي التقليدي أو متحف للفنون والتقاليد الشعبية “بل هو مؤسسة تتلاعب بالحدود مثل الشعوب المكونة للثقافة التي تمثلها”.
تفتح دار التراث الشفهي أبوابها للزوار الذين ستتاح لهم الفرصة للذهاب إلى هناك، أبواب عالم الأجداد مع التقاليد التي لا تزال حية في الحداثة، والتي يتزايد خطر اندثارها إن لم يتم فعل شيء للحفاظ عليها.
لقد سُلِّط الضوء في المعرض الأول لدار التراث الشفاهي على موضوع “النسيج” ، كونُ النسيج ذلك الخيط الذي يربط ويؤثر على حياة أفراد القبيلة، وذلك من خلال الصور ومقاطع الفيديو والتركيبات الفنية والحكايات المصورة والأشياء التي ابتكرها الشباب في مسار أعطى كامل الحرية لإحساسهم وإبداعهم. وهذه الأعمال المنجزة تتميز بالبساطة أحيانا، وأحيانا أخرى تكون أكثر تعقيدًا أو تجريدا أو تمثيلا للطقوس والأغاني والرموز والمعتقدات التي تعطي لهذا المعرض خصوصيته الاستثنائية. وهؤلاء الشباب هم عيسى جود ، إدريس أوعمرو ، أحمد بابوز ، ريسة إججا وغيرهم…
“نوعية التجربة أهم من عدد الزوار”، يقول مولاي هشام كنون “في الواقع ، تقع دار التراث الشفهي في الجزء العلوي من القصبة الشهيرة ، وهو مكان مصنف كموقع للتراث العالمي من قبل اليونسكو ومن هنا تأتي الحاجة إلى الحد من عدد الزوار حتى لا نؤثر على النظام البيئي للمنطقة”.
أصبحت مجموعة الأصدقاء بعد هذين اليومين من الانغماس الكلي في قصر آيت بن حدو تندرج ضمن دائرة أصدقاء التراث الشفهي، هذه الدائرة إنما تجمع الأصدقاء بإنسانيتهم والتزامهم بالقيام بأنشطة تحافظ على الاستدامة. ينتهي اليوم عند سفح القصر، يميزه مناخ جاف وإطلالة ساحرة على هذا النصب المعماري الفريد من نوعه، والذي يسمح لجميع الموجودين الآن و الذين أصبحوا مرتبطين بحلم يتحقق، بالهروب بعيدا بمخيلتهم إلى ما بعد الحلم؛ أي نحو القادم الذي لن يكون إلا أفضل، لإن من وراءه لبنى وهشام كنون اللذان يحملان طاقة إجابية تترك بصمتها على كل من انخرط في هاته التجربة الفريدة والرائدة .