قال جواد عبيبي، باحث في قانون الجماعات الترابية، إن “النقاش المثار مؤخرا بخصوص الأداء عن وقوف السيارات يعد تطورا إيجابيا في تعاطي الرأي العام مع بعض القضايا التي كانت تعتبر ثانوية بالرغم من أثرها المباشر على الحياة اليومية للمواطن، ويؤشر على ثقافة جديدة في التعاطي مع الفضاء العمومي بكونه ملكا للجميع، أساسها التنظيم والاحترام والعيش المشترك”.
وأضاف عبيبي، في مقال له بعنوان “توضيحات قانونية في الأداء عن وقوف السيارات”، أن “الأداء عن وقوف السيارات على جنبات الشوارع والساحات العمومية، هو موضوع شائك ومتشعب من الناحية القانونية، وأول ما يعترض الباحث في هذا المجال هو شح النصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة به”، مشيرا إلى أن “تعدد الأنظمة العقارية في المغرب وتدخل العديد من الأطراف في تنظيم عملية وقوف السيارات في الفضاءات العمومية يزيد الأمر تعقيدا”.
وتناول الباحث في قانون الجماعات الترابية الموضوع من جوانب عدة، خاصة ما يتعلق بـ”ركن السيارة فوق الملك العمومي الجماعي”، و”ركن السيارة خارج الملك العمومي الجماعي”، و”ركن السيارة فوق الملك العمومي للدولة”، و”ركن السيارة فوق الملك الخاص”، و”حراسة السيارات في الشوارع العمومية”.
إن النقاش المثار مؤخرا على شبكات التواصل الاجتماعي بخصوص الأداء عن وقوف السيارات، الذي تفاعلت معه العديد من المنابر الإعلامية، وكذا الباحثون والقانونيون، يعد تطورا إيجابيا في تعاطي الرأي العام مع بعض القضايا التي كانت تعتبر ثانوية بالرغم من أثرها المباشر على الحياة اليومية للمواطن، ويؤشر على ثقافة جديدة في التعاطي مع الفضاء العمومي بكونه ملكا للجميع، أساسها التنظيم والاحترام والعيش المشترك. كما أن هذا النقاش يمهد لتجاوز المواطن المغربي للمقاربة التقليدية العاطفية بخصوص احتكار الملك العمومي من طرف بعض الفئات تحت ذريعة “البحث عن لقمة العيش”، دون الانتباه إلى حقوق باقي المواطنين والفئات الأخرى المتضررة من ذلك.
لكن في المقابل، نظن أن النقاش من هذا النوع ينبغي أن توضع له بعض القواعد كي نتمكن من الوصول إلى المبتغى، لعل أهمها قاعدتان أساسيتان، تتمثل الأولى في تفادي تشويه سمعة أي فئة من الفئات (Stigmatisation)، والثانية تتجلى في التحري والبحث للإحاطة بالموضوع من مختلف جوانبه الاجتماعية، والاقتصادية، والقانونية وغيرها. وتندرج مقالتنا هذه في المساهمة في تحقيق هذه القاعدة الثانية.
ونود بداية أن نؤكد أن الأداء عن وقوف السيارات على جنبات الشوارع والساحات العمومية، هو موضوع شائك ومتشعب من الناحية القانونية، وأن أول ما يعترض الباحث في هذا المجال هو شح النصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة به. كما أن تعدد الأنظمة العقارية في المغرب وتدخل العديد من الأطراف في تنظيم عملية وقوف السيارات في الفضاءات العمومية يزيد الأمر تعقيدا.
ولتسليط الضوء على جزء من جوانب الموضوع، سنعرض لبعض التوضيحات القانونية بخصوص ركن السيارة، سواء فوق الملك العمومي الجماعي أو غيره، كما سنتطرق لبعض أشكال الاستغلال العشوائي وغير القانوني لمواقف السيارات.
ركن السيارة فوق الملك العمومي الجماعي
من المعلوم أن الأملاك الجماعية تتفرع إلى قسمين: الملك الجماعي الخاص، الذي تتصرف فيه الجماعة وفق قواعد القانون الخاص، والملك العمومي الجماعي الخاضع لقواعد القانون العام.
ويقوم رئيس مجلس الجماعة، طبقا لمقتضيات المادة 94 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، بتدبير أملاك الجماعة والمحافظة عليها. كما يسهر على مسك سجل محتويات الأملاك الجماعية.
أما فيما يتعلق بالملك العمومي الجماعي، فمن صلاحيات رئيس مجلس الجماعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتدبيره ومنح رخص الاحتلال المؤقت للملك العمومي الجماعي بإقامة بناء طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
كما أن المادة 100 من القانون التنظيمي نفسه تخول لرئيس مجلس الجماعة صلاحية منح رخص احتلال الملك العمومي دون إقامة بناء، وذلك طبقا للشروط والمساطر المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
أما مراقبة احتلال الملك العمومي الجماعي فهي من اختصاص عمال العمالات والأقاليم. ينضاف إليها فيما يخص عامل عمالة الرباط، الاختصاصات المتعلقة بتنظيم السير والجولان والوقوف بالطرق العمومية والمحافظة على سلامة المرور بها ورخص الاحتلال المؤقت للملك العمومي الجماعي بدون إقامة بناء.
لن نتطرق هنا إلى مختلف أوجه شغل الملك العمومي الجماعي، بل سنكتفي بمحاولة الكشف عن الأسس القانونية لاستغلال مواقف السيارات وفرض مقابل مادي على المرتفقين بهذا الخصوص.
فمن المعلوم أن الجماعات تلجأ إلى إيجار مواقف السيارات والدراجات بناء على دفاتر التحملات وعن طريق طلبات العروض لمدة معينة مقابل مبلغ مالي محدد. كما أن من الجماعات من تحدث شركات للتنمية المحلية خصيصا لتدبير هذا المرفق، لتقوم الشركة نائلة الصفقة أو شركة التنمية المحلية باستخلاص واجبات الوقوف من المرتفقين.
السؤال العريض الذي يطرح هنا، هو هل هذه العملية تندرج ضمن شغل الأملاك الجماعية العامة بصفة مؤقتة؟ وفي حالة النفي، ما هو السند القانوني لهذا الإيجار؟
بالرجوع إلى القوانين المنظمة لشغل الأملاك الجماعية العامة، ولا سيما القانون رقم 30.89 المتعلق بنظام الضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها (المقتضيات التي تظل في حيز التنفيذ بصفة انتقالية طبقا للقانون رقم 39.07)، يتضح أن شغل الأملاك الجماعية يضم ثلاثة أصناف، هي: شغل الأملاك الجماعية العامة مؤقتا لأغراض ترتبط بالبناء، شغل الأملاك الجماعية العامة مؤقتا لأغراض تجارية أو صناعية أو مهنية، وشغل الأملاك الجماعية العامة مؤقتا بمنقولات أو عقارات ترتبط بممارسة أعمال تجارية أو صناعية أو مهنية. وقد حدد هذا القانون كيفية تصفية واستخلاص الرسوم الناتجة عن الأصناف الثلاثة.
ومن الواضح أن استغلال مواقف السيارات المقامة على الأملاك العامة الجماعية لا يمكن إدراجه ضمن أي صنف من الأصناف المذكورة. وعليه، فلا يمكن اعتبار هذه العملية، على الأقل من منظور القانون المذكور، شغلا مؤقتا للملك العمومي الجماعي، وهذا ما دفع ببعض القانونيين إلى اعتبار أن الأداء عن وقوف السيارات على الملك العمومي الجماعي هو إجراء غير قانوني. فما هو السند القانوني لهذه العملية وللإتاوات المستخلصة تبعا لذلك؟
تستند الجماعات في استخلاص إتاوات وقوف العربات وإيجار مواقف العربات الواقعة على الملك العمومي الجماعي إلى مادة يتيمة في القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات؛ حيث جاء في مقتضيات المادة 100 أن رئيس مجلس الجماعة يختص في اتخاذ قرارات تنظيمية من أجل تنظيم شروط وقوف العربات المؤدى عنه بالطرق والساحات العمومية والأماكن المخصصة لذلك من قبل الجماعة.
ومقابل هذه المادة الفريدة، هناك شح تشريعي وتنظيمي فيما يتعلق بهذا المجال. ونظرا لكون تصفية الرسوم واستخلاصها يندرجان ضمن مجال القانون، وليس القانون التنظيمي طبعا، وفي غياب أي نص تشريعي يؤطر الأداء عن وقوف العربات بالطرق والساحات العمومية، فإنه يتبين، وإن كان لهذا الأداء سند قانوني، أن تصفية واستخلاص الإتاوات الناتجة عنه تظل دون تأطير تشريعي.
وبغض النظر عن هذا الفراغ التشريعي، فإن الأداء المفروض من طرف الجماعات والمقرر في قراراتها الجبائية يظل على العموم مقبولا من طرف غالبية المرتفقين. غير أنه بالموازاة مع هذه المشروعية المفترضة، قد تكون مواقف السيارات المقامة على الملك العمومي الجماعي عرضة لأوجه عدة من الاستغلال العشوائي وغير القانوني، نذكر منها أساسا:
استغلال الشركة المدبرة للمرفق خارج نطاق الطرق والساحات المنصوص عليها في عقد الإيجار ودفتر التحملات، خاصة مع غياب تشوير يبين المواقف الخاضعة للأداء.
فرض تعريفة تفوق تلك المنصوص عليها في عقد الإيجار وفي دفتر التحملات، مما يستوجب نشر هذه المعطيات وتمكين العموم من الاطلاع عليها.
استمرار الشركة المدبرة للمرفق في الاستغلال بعد انتهاء مدة العقد المبرم مع الجماعة. وغالبا ما تكون هذه المعطيات غير متوفرة للمرتفقين الذين يستمرون في الأداء. وفي هذه الحالة يتوجب على الجماعة إخبار العموم بانتهاء مدة العقد، واتخاذ الإجراءات الضرورية في حق الشركة أو الأشخاص المتورطين في الاستغلال خارج المدة التعاقدية.
قيام أشخاص بتقديم أنفسهم كمستغلين قانونيين للمرفق، من دون أن تربطهم أي عقدة مع الجماعة. وقد تترتب عن هذا الأمر مساءلة جنائية، كما يستوجب تدخل الجماعة والسلطات العمومية لوضع حد لهذا الاستغلال العشوائي.
قيام الشركات أو المحلات التجارية، دون الحصول على إذن في ذلك من طرف الجماعة، بوضع تشوير طرقي يشير إلى تخصيص بعض المساحات الواقعة على الملك العمومي الجماعي لوقوف سيارات مستخدميها أو زبائنها دون غيرهم من المرتفقين. وفي هذه الحالة أيضا، يتعين على المصالح الجماعية التدخل لتصحيح الوضع واتخاذ ما يلزم في حق المستغل العشوائي.
ركن السيارة خارج الملك العمومي الجماعي
إن الفضاءات العامة أو الخاصة المفتوحة للعموم، والمخصصة لوقوف السيارات، يمكن أن تقام أيضا على الملك العمومي للدولة، وعلى الملك الخاص التابع للهيئات العمومية أو لأشخاص القانون الخاص.
ركن السيارة فوق الملك العمومي للدولة
يقصد بالملك العمومي للدولة تلك الأملاك المخصصة لاستعمال العموم التابعة للدولة التي تنظمها العديد من النصوص القانونية. وينقسم الملك العمومي للدولة إلى أصناف عدة، نذكر منها الملك البحري، والملك المائي، والملك المينائي، والملك الغابوي، وغيرها. كما اختلف رأي فقهاء القانون في تصنيف بعض الأملاك الأخرى كالملك الحبسي، وأراضي الكيش وكذا أراضي الجموع، حيث هناك من يعتبرها أملاكا عمومية، في حين يعتبرها جل فقهاء القانون صنفا في حد ذاته، يختلف عن الأملاك الخاصة والأملاك العامة.
ودون أن نخوض في تفاصيل هذا الجدال، وعلاقة بموضوع هذه المقالة، فإن كل هذه الأملاك لا تندرج ضمن أملاك الجماعات. وعليه، لا يحق لها بتاتا التصرف فيها بأي وجه كان، ما لم يكن ذلك في إطار بعض الاختصاصات العامة كالنظافة والإنارة العمومية وغيرها.
وفي هذا الإطار، لا يحق للجماعات مبدئيا فرض إتاوات أو رسوم على وقوف السيارات فوق هذا الصنف من الأملاك، خاصة فيما يتعلق بالفضاءات الغابوية، والشواطئ، وضفاف الوديان والأنهار والسدود، والمضايق والخلجان والعيون المائية والبحيرات وغيرها.
غير أنه، وفقا لمقتضيات المادة 209 من القانون التنظيمي للجماعات، يمكن للدولة تفويت أو وضع أملاك عقارية رهن إشارة الجماعات، وفي هذه الحالة فقط يمكن أن يكون لتدخل الجماعة لفرض إتاوة على وقوف السيارات سند قانوني، وإن كان الأمر يطرح نقاشات قانونية أخرى لا مجال لبسطها في هذا المقال.
ويندرج ضمن هذا المحور، تدخل الجماعات في تدبير الشواطئ، التي تعد من الأملاك العمومية للدولة، وذلك بناء على الدورية المشتركة رقم 84 بتاريخ 8 يونيو 1995 لوزير الدولة في الداخلية ووزير التجهيز حول تدبير الشواطئ والمحافظة عليها من طرف الجماعات المحلية.
ركن السيارة فوق الملك الخاص
بخصوص ركن السيارات فوق الأملاك الخاصة، فالأمر لا يطرح إشكالا قانونيا جادا، سواء تعلق بالملك الخاص التابع للخواص، أو بالملك الخاص التابع للجماعات أو باقي أشخاص القانون العام. ويتعلق الأمر هنا بالمرائب المهيئة لركن السيارات مقابل مبلغ مالي محدد. ويندرج ذلك في إطار الأنشطة التجارية العادية التي ينظمها القانون الخاص. أما العلاقة بين أصحاب المرائب وزبائنهم، فتخضع أساسا لمبدأ التعاقد فيما يخص تحديد التزامات الجانبين. وفي غالب الأحيان، فإن الخدمة المقدمة في هذا الإطار تهم ركن السيارة وحراستها في آن واحد.
حراسة السيارات في الشوارع العمومية
أما فيما يخص حراسة السيارات في الشوارع العمومية، فلا يمكن اعتبارها احتلالا للملك العمومي من طرف من يقدمون هذه الخدمة، إنما هي نشاط غير مهيكل ينبني على تعاقد ضمني بين الحارس وصاحب السيارة، أي إنه يحق للطرفين، في إطار حرية التعاقد، الاتفاق على المقابل المالي للحراسة، أو ترك تحديده لصاحب السيارة. كما يحق لهذا الأخير رفض الخدمة المقترحة من طرف الحارس، دون أن يكون مضطرا لتغيير مكان ركن سيارته.
ومن المهم أن نؤكد في هذا الإطار أن الخدمة المقترحة من طرف هذا الصنف من الأشخاص، لا تعفي بتاتا الدولة من مسؤوليتها في حماية سلامة ممتلكات المواطنين في الشارع العام. ويحق لمن تعرضت سيارته لأضرار ناتجة عن فعل جرمي أن يطالب الدولة بالتعويض عن هذا الضرر أمام المحاكم الإدارية المختصة.
كما يجب إثارة الانتباه إلى أن حراسة السيارات في الشوارع العمومية لا تطرح إشكالات قانونية فقط، إنما تشكل في أحيان عدة مصدرا لإزعاج المواطنين وابتزازهم، خاصة مع انتشار الحراس العشوائيين بشكل كبير، مما يستوجب تدخل السلطات العمومية لهيكلة وتنظيم هذا النشاط، بشكل يضمن حقوق هذه الفئة وكرامتها من جهة، ويوفر شروط الطمأنينة لأصحاب السيارات من جهة أخرى.
ولتلخيص الموضوع، نؤكد أن وقوف السيارات على الشوارع والساحات العمومية لا ينبغي التعامل معه كشغل مؤقت للملك العمومي، بل كمرفق عام (service public) يقتضي حسن تدبيره العمل أساسا على تأطيره من الناحية التشريعية والتنظيمية، إضافة إلى التزام الجماعات ومختلف المتدخلين بتوفير كل المعلومات المتعلقة بالشركة المستغلة، ومبالغ الإتاوات المطبقة ومدة عقد الإيجار، وكذا الطرق والساحات المعنية بالوقوف المؤدى عنه، وتعزيز ذلك بتشوير طرقي واضح. أما بخصوص الحراسة العشوائية للسيارات، فمن المؤكد أن تدخل السلطات العمومية أصبح ضروريا لتنظيم هذه الخذمة، وحماية المواطنين والمقيمين من المضايقات والابتزاز.
المصدر هسبريس