كرست مدينة فاس خلال السنة التي نودعها، نفسها عن جدارة واستحقاق كأرض للمواعيد الكبرى وفضاء للانفتاح والتسامح والتعايش وقبول الآخر.
وأثبتت العاصمة العلمية للمملكة، بما لا يدع مجالا للشك، ريادتها القارية والعالمية من خلال استضافة تظاهرات وفعاليات كبرى سياسية وفنية وأدبية شدت إليها أنظار العالم وجعلتها قبلة للساسة وصناع القرار العالميين، إضافة إلى ثلة من الأدباء والمثقفين والوجوه الفنية البارزة.
من بين هذه الأحداث البارزة التي حققت نجاحا ملفتا، فعاليات الدورة السادسة والعشرين لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، التي أقيمت ما بين 9 و 12 يونيو الماضي واقترحت برمجة غنية شارك فيها فنانون ومجموعات موسيقية من مواقع فريدة ونادرة احتفاء بأماكن جسدت تراث العاصمة العلمية والروحية للمملكة على غرار باب الماكينة ودار عديل والمعبد اليهودي ابن دنان، وجنان السبيل.
وعرفت هذه التظاهرة الثقافية حضور مجموعات موسيقية تنتمي ل 15 بلدا، ضمنها سلطنة عمان وكازاخستان والهند وفرنسا وإيطاليا والسنغال.
وتمثلت أقوى لحظات المهرجان في الحضور البارز لموسيقى شمال الهند من خلال الحفل الموسيقى الذي أحيته الأخوات روحاني اللواتي يعتبرن من بين الأصوات المميزة للموسيقى الكلاسيكية الهندية.
وأتحف هؤلاء الفنانون، الذين كانوا مصحوبين بباقة من عازفي الآلات الكلاسيكية المبدعين التابعين لمجموعتهم، الجمهور الذواق بمقطوعات صوفية عذبة (سوفيانا كلام، قولي، كافي وغزال)، في قالب تقليدي متميز يمزج بين الارتجال واللمسات الإبداعية.
كما تجدد الموعد بالعاصمة الروحية للمملكة، خلال الفترة ما بين 22 و 29 أكتوبر الجاري، مع فعاليات الدورة الخامسة عشـرة لمهرجان فاس للثقافة الصوفية الذي أضحى موعدا لا محيد عنه لاستكشاف تعبيرات الجمالية والعمق لهذا التراث الروحي، واستضافت أزيد من 200 فنان من جميع أنحاء العالم.
وشكل هذا الحدث الثقافي الهام، الذي التزم منذ إنشائه بتثمين ونشر أشكال مختلفة من السماع والتلقين الروحي للطرق الصوفية ، ورفع شعار “الوجد والمعرفة”، قبلة متميزة لثلة من المفكرين والباحثين من آفاق متعددة.
واستمتع جمهور المهرجان ببرنامج حافل بالأمسيات الفنية الروحية التي أحياها ثلة من المنشدين والعازفين ذائعي الصيت، قدموا خلالها باقة من الأغاني والموسيقى الصوفية والقصائد والرقصات الصوفية المميزة.
وكان مسك ختام هذه السنة، الذي جعل العاصمة الروحية للمملكة قبلة شدت إليها أنظار العالم أجمع، استضافة فاس يومي 22 و 23 نونبر أشغال المنتدى العالمي التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، بحضور شخصيات دولية رفيعة المستوى من بينها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وشكل “منتدى فاس”، الذي نُظم تحت شعار “نحو تحالف من أجل السلام.. لنتعايش جميعا كإنسانية واحدة”، منعطفا في عمل تحالف الحضارات للأمم المتحدة، بالنظر إلى السياق والمشاركة والنتائج التي حققها، والروح التي أعطتها فاس، بعراقتها ورمزيتها الروحية، لهذا الاجتماع.
وحقق هذا المنتدى العالمي، “نجاحا كبيرا” بالنظر إلى المشاركة التي شملت أزيد من ألف و500 مشارك، منها وفود رسمية تمثل الدول والحكومات، والشباب والجمعيات، ووسائل الإعلام، مما يعكس الاهتمام الذي حظيت به هذه الدورة على المستويين الإقليمي والدولي.
وتميز هذا المنتدى بالرسالة السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للمشاركين فيه، التي أكد فيها جلالته أن “قيم تحالف الأمم المتحدة للحضارات والمثل العليا التي يدافع عنها والنموذج الذي يدعو إليه، هي نفسها منظومة القيم والمثل العليا التي يتبناها المغرب والنموذج نفسه الذي يعتمده”.
وتوخت هذه التظاهرة العالمية تعزيز الحوار والتعاون بين مختلف المجتمعات والثقافات والحضارات ومد الجسور من أجل توحيد الشعوب، بعيدا عن اختلافاتهم الثقافية أو الدينية، وذلك من خلال تطوير سلسلة من الإجراءات الملموسة الهادفة إلى تجنب الصراعات وبناء السلام.
والأكيد أن مدينة فاس، بفضل رمزيتها وحمولتها التاريخية الكبيرة وقيم التعايش والسلام التي تمثلها، أضحت تفرض نفسها بقوة كأرض للمواعيد والتظاهرات العالمية الكبرى، وهو ما يكرس مكانة المغرب كبلد رائد على المستويين القاري والدولي.