الحِرف، تراث موروث عبر الأجيال
غالبا ما كانت الحِرف تنتقل في الماضي بطريقة تقليدية، من المعلم إلى المتعلم، داخل مجتمعات أو مهن محددة. واستنادًا إلى الانغماس العملي في المهنة، كان تعليم الصنعة (الحرفة) مكلفًا، سواء من حيث الوقت أم الصبر والطاقة. كانت المهارات سرية في بعض الأحيان، ما أعطى قيمة خاصة للمعرفة الحرفية و التراثية، حيث كان إتقان التقنيات ضروريا للحفاظ على جودة وسمعة الحرفي أو المحترف.
وتشتهر الحرفية المغربية ببراعة وجمالية خاصة بها، سواء كانت أعمالا جلدية أو فخاراً أو نسجاً أو غيرها من المهن، وتعكس معارضها التقليدية غنى هذه الحِرف، حيث يصنع الحرفيون قطعا فريدة مشبعة بالتاريخ والثقافة المغربية .
فهناك العديد من الحرف اليدوية التي تم نقلها عبر الأجيال، ولكن ليس كلها مسجلة في منهل التراث المغربي، لذلك يجب سبر أغوار التراث المغربي المنسي بسبب هلاك رواده .
ونحن إذ ندرك جيدا في هذا السياق أهمية هؤلاء الحرفيين و مساهمتهم في تخليد جزء غني من تقاليدنا وثقافتنا، نطرح السؤال المشروع: كيف يمكننا حماية موروثنا الثقافي مع السوق الهجين للصناعة التقليدية المهيمنة؟ نلاحظ أن المنتجات التقليدية فقدت روحها وأصبحت ممكنة ومتاحة، مما أفقدها طابعها التقليدي الإنساني الأصيل و اصبحت لوحة بلا روح .
و لأجل استرجاع نبضات قلب التراث المغربي ، يجب خلق ورشات تدريبية تراثية داخل المؤسسات التعليمية الابتدائية بالخصوص العمومية أو الخاصة و ذلك من أجل بناء جيل حداثي معتز بتراثه و مسايراً للحداثة المطرزة بالتراث المغربي الأصيل.
الخيط و الإبداع الحِرفي: بين الإلهام والإبداع
الخيط، الدقيق في بساطته، ينسج الروابط بين المرئي و المحسوس الذي يوحد المعرفة والخبرات و يحدد مصير فنون إستخدامها ، وبالتالي يخلق إطارا فريدا يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل(الكلاسيكي و المعاصر و المجرد ).
يتم الكشف عن الحِرف، مثل الصنعة اليدوية الموروثة ،نجد كل من المنسوج يدويا والمطروز الدقيق. تحكي كل لفة خيط قصة وجدانٍ ما ، تنتقل من جيل إلى آخر، لتروي لنا التاريخ الثقافي للإنسان المغربي كنموذج ، وتخلق قطعًا مشبعة بالتقاليد و مثقلة بالخبرة .
إن خيط الإلهام في الإبداع التقليدي يشبه الربط بين الماضي والحاضر. ولنا أن نلاحظ على سبيل المثال أن الخيط له وجود قوي في حياتنا اليومية، إذ نجده في مختلف أشكال الملابس التقليدية. وليس غريباً أن تعتمد حرفنا المغربية بشكل أساسي على الخيط كأداة إبداع و إنتاج، وذلك نظرًا لإبداعات النساء في عملهن على التطريز بالخيط على العديد من الواجهات، وبالنظر أيضاً إلى إتقان والرجال استخدام الخيط على الجلد لصنع الأحذية.
فقد أتقن المغاربة منذ القدم استخدام الخيط كأداة إبداعية، ومن الضروري للغاية فهم أهمية أخذ الوقت للتعلم من الكبار هذه الحِرف و الصِنع، ليس فقط لأنها مفيدة للغاية، ولكن يمكن أن تكون درسا لنا ككل، درسا في القيم العميقة، و درسا فى الصبر، و درسا في أهمية الترابط بين الأجيال. ولن يساعدنا ذلك على التقرب من الأجيال السابقة فحسب، بل سيساعدنا على تقديرهم وتقدير القيم التي حددوها لنا، هذه الممارسات الصغيرة/ الكبيرة أبًا عن جد مهما كانت تأثيرها ، هي جزء من ثقافتنا، هذه الأعمال المنسوجة بعناية، تصبح خيوطا رابطة بين الأجيال عبر الزمن تحمل التقاليد والذكريات، ترمز إلى ثراء تراثنا الثقافي، تحمل ماضي و تاريخ وطنٍ ننتمي له، فالشعب الذي لا يعرف ماضيه لا مستقبل له و تاريخ المغرب ليس من أجل التبجيل بل للعبرة و الإلهام .