بحركات مرنة ودقيقة أمسكت بعيدان تناول الطعام اليابانية الرفيعة، وكأنها امتداد لأصابعها، لتبدو يدها وكأنها تقوم برقصة متناسقة فوق الطبق.
بنظرة هادئة، تلتقط قطع “السوشي” بدقة مثيرة. ومع كل لقمة، يضيء وجهها بابتسامة مشرقة وكأن كل قطعة هي استكشاف ودعوة للسفر.
لا يتعلق الأمر بلقطات من شريط سينمائي، وإنما هو مجرد مشهد لفتاة في مطعم آسيوي بالرباط، تعكس شغف المغاربة المتزايد بهذا الطبخ القادم من الشرق الأقصى، تلك البلاد البعيدة جدا.
في هذه الأجواء الدافئة والمفعمة بالحيوية، تجد عائلات وأزواجا أو أصدقاء أتوا لتذوق أطباق شرقية رائعة.
الطاولات مزينة بأطباق ملونة ذات روائح شهية ومُسميات آسيوية (سوشي، وساشيمي، والتمبورا، والرامن، وغيرها)، ونكهات آسرة، مع انسجام مثير لمكوناتها.
إقبال متزايد على المطبخ الآسيوي
فمن السوشي الياباني الفاخر إلى الأطباق التايلاندية الحارة، مرورا بالأطباق الصينية الشهية، ليس هناك شك بأن الطبخ الآسيوي أخذ يجد مكانا له لدى العديد من المغاربة، إلى حد أنه صار شغفا حقيقيا.
وقد أضحى هذا المطبخ حاضرا، اليوم، في معظم المدن المغربية، سواء في المطاعم المرموقة أو حتى الأكشاك الصغيرة.
ولا تقتصر شعبية المطبخ الآسيوي على المطاعم فحسب، بل حققت نجاحا ملحوظا على منصات الطلب عبر الإنترنت والتوصيل إلى المنازل.
وأضحى المزيد من المغاربة يقعون تحت تأثير هذا الشغف بالإقبال على المنتجات الآسيوية، لا سيما صلصة الصويا والترياكي، والمعكرونة، وأوراق النوري، وغيرها.
ولمعرفة ذلك عن كثب، يكفي القيام بجولة بين أجنحة الأسواق التجارية الكبرى أو التوجه “للمتاجر الآسيوية”، التي تعرض تشكيلة متنوعة من المنتجات الكورية و التايلاندية و الفيتنامية و الهندية و الصينية و اليابانية.
وبالفعل فإن الوقوع في سحر الأذواق وفلسفة الطهي التي تميز فن الطبخ الآسيوي تتجاوز الحياة اليومية لتمتد إلى أكثر اللحظات الجميلة التي تبقى عالقة في الأذهان.
وليس من المستغرب اليوم، أن تجد ضيوف حفل زفاف مغربي يستمتعون بتذوق أطباق السوشي.
تقول سلمى، فتاة في عقدها الثالث “إن السوشي، بالنسبة لي، أكثر من مجرد طبق، بل هو عمل فني حقيقي يثير حاسة التذوق. ففي كل مرة أتناوله، يأخذني إلى عالم من النكهات الرائعة”.
وتتابع هذه الشابة حديثة العهد بالزواج، اختارت قائمة طعام آسيوية، قائلة “إن جودة السمك وطعم الأرز المخلل والصلصات المتوازنة بدقة متناهية، تخلق مزيجا من الأذواق والروائح، وتمثل الأطباق الصينية و اليابانية أو التايلاندية تجربة فريدة من نوعها، وسيمفونية من النكهات…”.
مطبخ متعدد الفوائد
يدين المطبخ الآسيوي بشعبيته، جزئيا، إلى مفهوم الصحة والرفاهية. ويتعلق الأمر بأطباق غنية بالأسماك، ولحوم خالية من الدهون، وخضراوات طازجة، يتم إعدادها باستخدام طرق طهي تمكن من الاحتفاظ بخصائصها والفيتامينات التي تحتوي عليها، إلى جانب مجموعة من التوابل، لاسيما الكاري، والكركم، والزنجبيل، المعروفة بفوائدها الوقائية والعلاجية.
هذا المطبخ، الغني بالنكهات والمكونات، لا يأخذ المرء في سفر طيلة تناول الوجبة فحسب، بل يتميز أيضا، بالعديد من الفوائد الصحية، من خلال وصفات متوازنة ومناسبة تماما للأنظمة الغذائية الخالية من الغلوتين.
وفي هذا الصدد، أوضحت الخبيرة في التغذية، إكرام تيكور، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذا “الشغف” يرجع أساسا إلى غنى المطبخ الآسيوي وتنوع أطباقه التي تلبي كافة الأذواق، انطلاقا من سلطات الخضار النيئة الصحية، و وصولا إلى الفواكه الغنية بالسكريات الموجهة للأشخاص الشرهين.
وأشارت إلى أن “المطبخ الآسيوي غني جدا ومتنوع، حيث يختلف المطبخ الفيتنامي عن الصيني، والصيني عن الياباني”.
وعموما، “يحترم هذا مطبخ الخطوط العريضة للتغذية المتوازنة، حيث إن ألوان المكونات دليل عل أنه غني بالألياف والمغذيات الدقيقة، ومضادات الأكسدة، وذلك بفضل الخضروات والطحالب المتنوعة، التي تعد من مكوناته الرئيسية. وهناك أيضا مصادر مهمة للبروتينات والكربوهيدرات المعقدة، وفي مقدمتها الأرز.
واعتبرت أن طريقة الطهي تلعب دورا مهما في الحكم على طبق معين إن كان صحيا أم لا، مؤكدة أن “المطبخ الآسيوي يجمع بين النقيضين، القلي من جهة، والخضروات الطازجة والطهي بالبخار من جهة أخرى”.
ومن جانب آخر، حذرت خبيرة التغذية من السكر الخفي، لاسيما الذي يضاف إلى السوشي أو في الصلصات، داعية إلى اتباع أسلوب حياة صحي والابتعاد عن الأطعمة المقلية واستهلاك السكر.
واعتبرت أن النظام الغذائي المتوازن، هو الذي يوفر جميع العناصر الغذائية الكبرى والصغرى التي يحتاجها الجسم: الترطيب الجيد، ومصدر جيد للبروتين، والكربوهيدرات المعقدة والكثير من الألوان (خضار وفواكه)، لاسيما النيئة لتلبية الاحتياجات الجسم من الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة.
المطبخ الآسيوي: تأثير الشبكات الاجتماعية
على شبكة الإنترنت وكذلك على شبكات التواصل الاجتماعي، يحضر المطبخ الآسيوي بقوة، وذلك بفضل الأطباق الشهية، المقدمة بشكل جميل، مما يثير رغبات المتذوقين للطعام الجيد.
فمن آسيا إلى الأمريكتين، مرورا بأوروبا وأفريقيا، أصبحت هذه الأطباق اللذيذة بمثابة أيقونات حقيقية تتجاوز الحدود الثقافية وتأسر جمهورا عالميا كبيرا.
وفي المغرب، اكتسب مؤثرو الطهي والمدونون المختصون في هذا المطبخ شعبية كبيرة، حيث يجتذبون عددا متزايدا من المشتركين المتحمسين لاكتشاف وصفات جديدة.
وساعد تقاسم النصائح والتوصيات وعناوين المطاعم على تعميم هذا الشغف بهذا المطبخ وجعله في متناول جمهور أوسع.
تقول نادية، وهي من صناع المحتوى في تصريح مماثل: “اكتشفت شغفي بالمطبخ الآسيوي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وأحب متابعة الطهاة الموهوبين والمدونين المختصين في الطبخ من جميع أنحاء العالم. وهذا يحفزني على مواصلة استكشاف نكهات جديدة وصقل مهاراتي في الطهي”.
وأضافت: “أجد متعة حقيقية في تقاسم تجاربي في الطهي وأن أشاهد ردود أفعال المتابعين عبر الإنترنت. إنها أكثر بكثير من مجرد هواية، لقد أصبحت أسلوب حياة”.
ومع اتساع شعبية النكهات الآسيوية، تبقى الحاجة ملحة لإبراز تراث الطهي المغربي الغني وإدامته، باعتباره ناقلا لفن العيش والعيش المشترك والكرم وخصال التقاسم.