لقاح جديد لكورونا من بيض الدجاج
دخل لقاح جديد ضد “كوفيد-19” مرحلة التجارب السريرية في البرازيل والمكسيك وتايلاند وفيتنام، وقد يغيّر طريقة تعامل العالم مع الوباء، فما هو؟ وكيف يعمل؟
أُطلق على اللقاح اسم “إن دي في-إتش إكس بي-إس” (NDV-HXP-S)، ومن المنتظر أن يُنتَج بكميات كبيرة وتكاليف أقلّ بكثير من اللقاحات المرخص لها حاليا.
ففي تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) الأميركية، يقول الكاتب كارل زيمر إن اللقاحات الحالية، مثل لقاحي “فايزر” (Pfizer) و”جونسون آند جونسون” (Johnson & Johnson)، تُنتج في مصانع متخصصة باستخدام مكونات يصعب الحصول عليها. في المقابل، يمكن إنتاج كميات كبيرة من اللقاح الجديد من بيض الدجاج، وهو البيض الذي يُنتج مليارات لقاحات الإنفلونزا كل عام في المصانع في شتى أنحاء العالم.
وإذا ثبت أن اللقاح الجديد آمن وفعال، فمن المحتمل إنتاج أكثر من مليار جرعة سنويا. وقد تتمكن الدول الفقيرة التي تكافح حاليا للحصول على اللقاحات من الدول المتقدمة، من صنع لقاح (NDV-HXP-S) بنفسها أو الحصول عليه بتكلفة منخفضة من الدول المجاورة.
ومن المنتظر أن تنتهي المرحلة الأولى من التجارب السريرية في يوليو/تموز المقبل، وستستغرق المرحلة النهائية أشهرا عدة أخرى. وقد عززت التجارب على الحيوانات المحصنة الآمال في فعالية اللقاح.
وآلية عمل اللقاحات هي تعريف الجهاز المناعي بفيروس جديد بما يكفي لتحفيز دفاعات الجسم على مقاومته. وتحتوي بعض اللقاحات على فيروسات كاملة ميتة؛ ويحتوي بعضها الآخر على بروتين واحد فقط من الفيروس. وداخل بعض اللقاحات تعليمات وراثية يمكن لخلايانا استخدامها لصنع المضادات الفيروسية.
تعلّم صنع الأجسام المضادة
بمجرد التعرض لفيروس أو جزء منه، يمكن لجهاز المناعة أن يتعلم صنع الأجسام المضادة التي تهاجمه، كما يمكن أن تتعلم الخلايا المناعية كيفية التعرف على الخلايا المصابة وتدميرها.
وفي حالة فيروس كورونا، فإن أفضل ما يمكن أن يفعله جهاز المناعة هو استهداف البروتين التاجي الذي يغطي سطح الفيروس، والمعروف باسم بروتين السنبلة أو “سبايك” (Spike).
لكن حقن البشر ببروتينات سبايك الخاصة بفيروس كورونا ليس أفضل طريقة للتطعيم والحماية من الوباء، وذلك لأنها تتخذ أحيانا الشكل الخطأ، وتحثّ الجهاز المناعي على صنع أجسام مضادة غير ملائمة لمقاومة كورونا. اعلان
وعمل على تقنية اللقاح الجديد جيسون ماكليلان، وهو أستاذ مشارك في جامعة تكساس في أوستن، مع اثنين من علماء الأحياء بجامعة تكساس، إيليا فينكلشتاين وجنيفر ماينارد، عملوا على تطوير 100 بروتين سبايك معدّل.
وبتمويل من مؤسسة غيتس اختبروا كل هذه البروتينات وفحصوا النتائج، وابتكروا في النهاية بروتينا واحدا يلبّي المتطلبات لتطوير لقاح أكثر فعالية. والتركيبة التي توصل إليها العلماء اسمها “سبايك هيكسابرو” (spike HexaPro).
وأعرب الدكتور ماكليلان عن أمله أن تصل اللقاحات القائمة على بروتين هيكسابرو إلى مزيد من بلدان العالم، خاصة الدول ضعيفة الدخل التي لم تتلقّ حتى الآن سوى جزء ضئيل من إجمالي شحنات اللقاحات المرخصة.
وتعمل جامعة تكساس حاليا على تسهيل ترتيبات الترخيص لبروتين “هيكسابرو”، والسماح للشركات والمختبرات في 80 دولة من الدول منخفضة ومتوسطة الدخل باستخدام هذا البروتين في تطوير لقاحاتهم دون أي رسوم.
بدورها، تسعى منظمة “باث” (PATH) منذ مدة إلى مساعدة الدول غير الغنية على الحصول على لقاحات “كوفيد-19″، وكانت تبحث عن اللقاح المناسب الذي يمكن لهذه الدول أن تنتجه بمفردها.
لقاح فعال بكميات كبيرة
وتتطلب شحنات لقاحات “كوفيد-19” المرخص لها حاليا مكونات مكلفة. على النقيض من ذلك، فإن لقاحات الإنفلونزا على سبيل المثال لا تحتاج إلى إمكانات كبيرة، وتمتلك كثير من البلدان مصانع ضخمة لإنتاج هذه اللقاحات، إذ يكفي أن تُحقن فيروسات الإنفلونزا في بيض الدجاج، وينتج البيض كميات كبيرة من الفيروسات المطلوبة، قبل أن يتم استخراجها وإضعافها أو قتلها ثم إدخالها في اللقاحات.
وكانت تساءلت منظمة “باث” منذ مدة عن إمكانية صنع لقاح “كوفيد-19″ بثمن زهيد يمكن حقنه في بيض الدجاج وإنتاجه بسهولة وبكميات كبيرة مثل لقاحات الإنفلونزا.
وقد توصل فريق من العلماء من مدرسة طب ماونت سيناي في أميركا إلى مثل هذا اللقاح الذي يعتمد على فيروس الطيور المعروف بـ”فيروس مرض نيوكاسل” (Newcastle disease virus) غير الضار بالبشر.
وعلى امتداد أعوام، كان العلماء يجربون فيروس نيوكاسل لابتكار لقاحات لمجموعة من الأمراض. فعلى سبيل المثال، من أجل تطوير لقاح لمرض فيروس الإيبولا، أضاف الباحثون جينات إيبولا إلى مجموعة الجينات الخاصة بفيروس نيوكاسل، ثم حقنوا الفيروس المعدل في بيض الدجاج، وانتهى الباحثون إلى إنتاج فيروسات مرض نيوكاسل مغلفة ببروتينات الإيبولا.
وفي “ماونت سيناي” شرع الباحثون في فعل الشيء ذاته باستخدام بروتينات سبايك من فيروس كورونا بدلا من بروتينات فيروس الإيبولا، وعندما علموا بإنتاج الدكتور ماكليلان بروتين “هيكسابرو” قاموا بإضافته إلى فيروسات نيوكاسل.
وجهّزت منظمة “باث” آلاف الجرعات من لقاح “فيروس نيوكاسل-هيكسابرو-سبايك” من أجل إنتاجها في مصنع فيتنامي ينتج عادة لقاحات الإنفلونزا في بيض الدجاج. وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي أرسل المصنع اللقاحات إلى نيويورك لفحصها، ووجد باحثو “ماونت سيناي” أن لقاح “فيروس نيوكاسل-هيكسابرو-سبايك” يمنح حماية قوية للفئران والهامستر.
وقد اكتشف الباحثون ميزة جديدة هي أن بيضة واحدة تستطيع أن تنتج ما بين 5 إلى 10 جرعات من اللقاح الجديد، مقارنة بجرعة واحدة أو جرعتين من لقاحات الإنفلونزا.
إستراتيجية ستكون مهمة
ولاحقا، قامت منظمة “باث” بربط فريق ماونت سيناي بصانعي لقاح الإنفلونزا، وفي 15 مارس/آذار أعلن المعهد الفيتنامي للقاحات والبيولوجيا الطبية عن بدء تجربة سريرية للقاح (NDV-HXP-S).
وبعد أسبوع اتخذت منظمة الأدوية الحكومية في تايلاند خطوة مماثلة، وفي 26 مارس/آذار قال معهد بوتانتان البرازيلي إنه سيطلب ترخيصا لبدء التجارب السريرية على اللقاح.
ويختم الكاتب بأن هذه الإستراتيجية ستكون عظيمة الأهمية في إنتاج لقاح فعال لفيروس “كوفيد-19” بكميات كبيرة، وستكون مفيدة في التصدي للأوبئة الأخرى التي قد تظهر في المستقبل.
المصدر : نيويورك تايمز