أخبار

ذكرى وفاة محرر البلاد المغفور له بإذن الله الملك الراحل محمد الخامس

ذكرى وفاة محرر البلاد المغفور له بإذن الله الملك الراحل محمد الخامس

المملكة المغربية

سلطان فضل المنفى على ان يعيش ملكا بدون وطن

تحل يوم عاشر رمضان 1434 الموافق ل18 يوليو 2013، ذكرى وفاة اب الامة المغفور لك بإذن الله الملك الراحل محمد الخامس قدس الله روحه، وهي ذكرى لاستحضار التضحيات الجسام التي بذلها هذا الملك الهمام رحمه الله من اجل تحرير بلاده وشعبه وكفاحه العظيم من اجل استقلال هذا الوطن.

 

هو محمد بن يوسف ولد في العاشر من غشت –أغسطس- سنة 1909 وأصبح سلطانا للمغرب سنة 1927 الى ان نفي بسبب مقاومته للمستعمر ومساندته للنضال المطالب بالاستقلال سنة 1953 فبالنسبة له الارض كانت مغربية والشعب يستحق الحرية والاستقلال، فرفض انذاك اية مفاوضات مع سلطات الحماية الفرنسية وبقي الى جانب شعبه المناضل فقامت السلطات الفرنسية بنفيه خارج المغرب مع كل اسرته خوفا من تأثيره الكبير في نفسية المناضلين إلا ان نفيه اعطى نتيجة عكسية لما كان متوقعا فقد اشتدت حدة المظاهرات مطالبة بعودته لأرض الوطن لتضطر السلطات الفرنسية امام ما تكبدته من خسائر والضغوطات الوطنية الى اعادته لعرشه في 16 نوفمبر 1955 وبعد اشهر فقط تعلن استقلال المغرب

الملك الحسن الثاني يقبل يد ابيه السلطان محمد الخامس رحمهما الله

ولعل خطاب طنجة التاريخي كان من بين الاحداث المحركة للوطنية والمقاومة فقد القى السلطان محمد الخامس في التاسع من ابريل –نيسان- 1947 خطابا من مدينة طنجة ليؤكد للعالم كله ان وحدة المغرب غير قابلة للتجزيء وهو الامر الذي تلقاه التيار الوطني والمقاومين بابتهاج وزادهم حماسا وإصرارا، مما دفع فرنسا لمحاولة الوصول الى السلطان من اجل تنحيته إلا ان هذه المحاولات باءت بالفشل لتدخل فرنسا في مفاوضات مباشرة معه منذ فبراير 1955 ووصل الحد الى حد تهديده في ارض المنفى، حيث اقترح عليه المتفاوضون وبمن فيهم “ديبوا روكبير” ان يختار بين امرين، اما التنازل عن العرش والعودة الى ارض الوطن للعيش بسلام في حماية الفرنسيين او تشديد الخناق عليه وعلى اسرته في المنفى في حالة رفض هذا المقترح، فكان جوابه قاطعا حاسما ورفض كل هذه المقترحات وامتنع عن توقيع الظهائر والمصادقة على قرارات الإقامة العامة واتجه بشكل علني نحو مساندة حزب الاستقلال فعينت السلطات الفرنسية سلطانا مصطنعا يعمل تحت تصرفها واستعانت بالأعيان الموالين لها وراء الباشا الكلاوي، باشا مدينة مراكش واجتمع باشوات المدن الكبرى ووقعوا عريضة لسحب الشرعية الدينية عن السلطان محمد بن يوسف كإمام.

استمر السلطان سيدي محمد بن يوسف يرفض توقيع الظهائر احتجاجا على الاصلاحات المزعومة من قبل فرنسا فقرر الجنرال “غيوم” تنحيته كسلطان ونفيه هو وأسرته الشريفة في طائرة عسكرية الى كورسيكا يوم 20 غشت –أغسطس- سنة 1953 ثم نقل يوم ثاني يناير –كانون الثاني- 1954 الى جزيرة مدغشقر وقد كان انذاك ولي العهد الملك الراحل رحمه الله مولاي الحسن الثاني يرافقه في كل اجتماعاته ونقاشاته الرسمية وغير الرسمية وكان يلعب دور المستشار الى جانب والده السلطان.

السلطان محمد الخامس وعائلته في المنفى في مدغشقر

اعتبر نفي السلطان محمد الخامس خطئا استراتيجيا من قبل المقيم العام “جوان”، اذ رغم اعتراف بعض الاعيان والعملاء بابن عرفة سلطانا من الناحية السياسية الدولية إلا ان الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان كانتا متحفظتان في البداية بدأتا بإعلان معارضتهما لقرار المقيم العام سنة1951 ولم يعترف دبلوماسيو البلدين بالعريضة التي وقعها بعض الاعيان  كما ان المعارضة العربية شنت حملة شرسة عبر الصحافة والإذاعة وأدان زعيم الحركة الوطنية علال الفاسي عبر اذاعة القاهرة في برنامج صوت العرب تنحية السلطان وعائلته عن الوطن وعبرت جامعة الدول العربية عن تخوفاتها ازاء التطورات بالمغرب وتوترت العلاقات بين المستعمرين الاسباني والفرنسي، حيث كان الاتفاق المبرم بينهما يوم 27 نوفمبر 1*912 ان يتعهد البلدان بالتزام الاحترام ازاء الامبراطورية الشريفة في كل المنطقتين، الخليفية التابعة للحماية الاسبانية والجنوبية الخاصة لفرنسا فاستاءت اسبانيا واعتبرت ما حدث نوعا من العداء ضدها، فوقعت عريضة مشابهة التي تمت بمراكش في المنطقة التي تخضع لسيطرتها وتمكنت من جمع 430 توقيعا من باشوات واعيان الخليفية وركزت على فكرة تنحية السلطان الشرعي محمد بن يوسف نتيجة لدسائس الاقامة العامة ولكنها رفضت السلطان بن عرفة ثم اعلنت احقية السيادة التي يتمتع بها المهدي بن إسماعيل على منطقة الخليفية تحت إمرة سلطة فرانكو

تنحية السلطان الشرعي محمد الخامس، احدثت استياء كبيرا في اوساط المغاربة المناضلين فتزايدت المظاهرات التي قام بها الشعب المغربي ضد المحتل بتأطير من حزب الاستقلال واندلعت الانتفاضات بشكل كبير في كل مناطق المغرب وقام الشعب المغربي بعرقلة اقامة حفل عيد الاضحى محتجين على امامة السلطان المزعوم لصلاة العيد ونحر الاضحية وهو الذي لا يتوفر على الشرعية التي كانت مجتمعة في شخصية محمد بن يوسف.

وتحدث المغاربة انذاك ولشدة حبهم وتشبثهم بسلطان البلاد عن معجزة رؤيته في القمر وكان بعض المعتقلين من داخل السجون يناضلون ايضا من اجل الحرية وحسب روايات بعض المقاومين فقد دخل احد المقاومين طلبا لزيارة سجين، وطلب من العسكري الفرنسي السماح برؤية شخص معتقل فحينما سئل عن اسمه قيل له “يحيى بن يوسف” فكنا الفرنسي يعتقد ان هذا اسم المعتقل فدخل ونادى باسم “يحيى بن يوسف” لتثور السجون ويردد الكل “يحيى ين يوسف ويحيى السلطان بن يوسف”، وفي الواقع كان القادم قد اتى فقط ليعلم السجناء ان هناك مظاهرات وثورة للملك والشعب بالخارج بهذه الطريقة.

واندلعت انذاك المقاومة المسلحة بتأسيس جيش التحرير يوم 1 اكتوبر 1955 من قبل لجنة تحرير المغرب العربي بالقاهرة وذلك من اجل تنظيم حركة المقاومة المغربية وجبهة التحرير الجزائرية من اجل الضغط لعودة السلطان محمد بن يوسف وتحرير البلدين الشقيقة تونس والجزائر.

رفض المغاربة الاعتراف بابن عرفة كسلطان واشتدت الازمة فرضخت السلطات الفرنسية للتفاوض فكان مؤتمر إيكس ليبان بفرنسا في 23 غشت –اغسطس- 1955 اسفر عن تنحية ابن عرفة وتشكيل حكومة وطنية مغربية وفي هذا الإطار استقبل جلالته في يوم 5 سبتمبر 1955 وفدا فرنسيا مفوضا يضم الجنرال كاترو وهنري يريسو، إضافة إلى الوفد المغربي المشكل من السيد مولاي حسن بن إدريس ومبارك البكاي والفاطمي بن سليمان وعبد الهادي بوطالب وعمر عبد الجليل وعبد الرحيم بوعبيد وبعد مشاورات طويلة لعب فيها ولي العهد آنذاك مولاي الحسن دورا أساسيا في توجيه الموقف الذي اتخذه سيدي محمد بن يوسف من المخطط، وهو الموافقة على المخطط مع التحفظ بإعلان ضرورة بقاء مجلس العرش مؤقتا إلى حين عودة السلطان إلى أرض الوطن.

واستمر السخط المغربي على نفي السلطان محمد الخامس الذي كان معتمدا على حب الشعب وإيمانه القوي فظل ثابتا رغم نفيه وأسرته عن ارض الوطن تزامنا مع عيد الاضحى واندلعت مظاهرات دموية فدائية في العديد من المدن وأصبحت المقاومة شرسة، فرضخ الفرنسيون لفكرة اعادة السلطان الشرعي ليعود الى ارض الوطن يوم 16 نوفمبر 1955 وتم تشكيل اول حكومة وطنية لمتابعة المفاوضات مع سلطات الحماية من اجل استقلال البلاد وبناء الدولة المغربية وإعادة تنظيمها وكاثف السلطان انذاك وولي العهد الحسن الثاني رحمهما الله جهودهما حتى تم توقيع عقد الاستقلال في الثاني من مارس -آذار- 1956

ولم يتوان السلطان محمد بن يوسف عن المطالبة باستكمال الوحدة الترابية بعد استرجاعه لمنطقة الحماية الفرنسية فتفاوض مع اسبانيا ووقعت معاهدة مدريد لتضع حدا للحماية الاسبانية في المنطقة الشمالية يوم 7 ابريل –نيسان- 1956 فأزال بذلك محمد الخامس الحدود الوهمية التي وضعتها فرنسا واسبانيا بين المنطقتين الخليفية والجنوبية لمدة 43 سنة.

وتوفي المغفور له بإذن الله يوم 26 فبراير 1961 ليخلفه الملك الحسن الثاني رحمه الله.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى