يعتبر الأدب الموجه للأطفال والشباب، كتابة أدبية ذات أهمية بالغة وصبغة خاصة، نظرا لكونها تستهدف شريحة مجتمعية تشكل جيل المستقبل، ولأنها تروم تمكين الناشئة من تملك القيم الإنسانية والمبادئ الفضلى في قالب أدبي يمزج ما بين التربية والتثقيف والتسلية.
وإذا كان الأدب والكتابة بشكل عام، مجالا ينبغي أن يكون الراغب في خوض غماره، متمكنا من ناصية اللغة وحريصا على الأمانة الفكرية ومبدعا في طرح الأفكار، فضلا عن امتلاك الموهبة، فإن الأدب الموجه للأطفال والشباب نوع أدبي يتطلب من حاملي أقلامه، إضافة لما سبق ذكره، اشتغالا خاصا على التفاصيل والمواضيع سعيا للارتقاء بذوق هذه الفئة وتنوير عقولها.
وفي هذا الإطار، قالت الكاتبة أحلام نويوار، إن استعمال مصطلح “أدب الناشئة” أو “أدب الأطفال والشباب” لا يعني استهداف فئة متجانسة، إذ أنه إضافة للاختلاف في الأعمار والقدرات الفكرية والمعرفية والوجدانية، هناك أيضا اختلاف في الخبرات ما بين الطفل الصغير الذي لا يعرف القراءة ويعتمد على الصور لفهم الكتاب، وبين المراهق الذي له تجارب متعددة في القراءة.
وأبرزت في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء على هامش الدورة ال28 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، أن إحدى أهم السمات المميزة لأدب الناشئة هي الوساطة التي يلعبها الكبار، سواء الآباء أو المُربون، ما بين المتلقي والكتاب.
وذكّرت بأن حركة النشر والتأليف الخاصة بهذا الأدب عرفت تطورا وازدهارا منذ الاعتراف بحقوق الطفل في أواخر سبعينيات القرن الماضي ومصادقة أغلب الدول على اتفاقية حقوق الأطفال وإقرار حقهم في القراءة والمتعة وممارسة هواياتهم، مؤكدة بهذا الخصوص على ضرورة “الانخراط في البعد الرقمي”، في سياق المتغيرات التكنولوجية والثورة الرقمية بالنظر لما تتيحه من إمكانات هائلة.
من جانبه، قال الحائز على جائزة كتارا للرواية العربية- فئة رواية الفتيان برسم دورة 2022، عبد اللطيف النيلة، إن أدب اليافعين، مثلما تحدده جوائز عربية، يُوجه إلى فئة عمرية ما بين 12 و20 سنة، مشيرا إلى أن هذا الأدب بالمغرب “مازال يشق طريقه إلى القارئ، لاسيما في سياق الثورة الرقمية التي أصبحت تمارس إغراء كبيرا على الأطفال واليافعين والشباب”.
وأضاف في تصريح مماثل، أنه حسب دراسة أجراها الباحث جميل حمداوي حول أدب الأطفال بالمغرب ما بين 1936 و2010، فإنه لم يتم طيلة هذه الفترة إنتاج سوى 30 عملا ما بين الأدب الموجه للأطفال والأدب الموجه لليافعين، 19 منها من إنتاج عبد السلام البقالي، مسجلا أن هناك خصاصا كبيرا في حقل الأدب الموجه للأطفال واليافعين.
كما أشار إلى أنه يمكن تحويل الثورة الرقمية إلى عامل يشجع ويحفز الأطفال واليافعين على القراءة والمطالعة من خلال إنتاج برامج مختلفة على شكل أفلام كرتونية وبرامج ثقافية، وكذا عبر تحويل ما هو مكتوب من قصص وروايات موجهة للأطفال والشباب إلى مواد مرئية ومسموعة.
وبدوره، اعتبر الأستاذ الجامعي، خالد رزق، أن الأدب الموجه للأطفال والشباب، على غرار باقي الأجناس الأدبية، “يمكن أن نُسقط عليه معياري الإنتاج والتلقي”، مسجلا أنه من مميزات هذا الأدب هو أنه “يحاول أن يكون في نفس الوقت ممتعا ومسليا ومفيدا وحاملا لرسالة تربوية تساهم في تكوين الناشئة”.
وأبرز في السياق ذاته، أن المغرب “يتميز بتنوع ثقافي ولغوي يمكن ملاحظته بشكل كبير في الكتابات المغربية الموجهة للأطفال، إذ هناك أعمال ينتجها كتاب مغاربة تتناول مواضيع تتعلق بتاريخ المغرب والمجتمع المغربي، كما أنها تمتح من الإرث العالمي المشترك”، لافتا إلى أن دور النشر بدورها قامت بمجهودات في الـ20 سنة الأخيرة، حيث تخصص بعضها في الأدب الموجه للطفل وأضحت تنشر قصصا وحكايات بلغات مختلفة تهم الواقع المغربي أو تتخذ من بعض المدن المغربية فضاء للقصص المُنتجة.
وشدد السيد رزق على ضرورة وضع كل ما يتعلق بالثقافة والفن الموجهين إلى الأطفال واليافعين ضمن الأولويات، من خلال تغيير العقليات والتمثلات حول هذه الفئة، ونهج سياسة تتخذ من الكتاب والسينما والمسرح والأغنية ركائز أساسية من أجل بناء مشروع ثقافي يضع الطفل في صلب الاهتمام باعتباره رجل الغد.
وفي سياق متصل، قال المدير العام لشركة “سندباد”، رئيس لجنة المعارض بالملتقى العربي لناشري كتب الأطفال، محمد شعبان، إن إنتاج كتب الأطفال يحتاج لمجهود كبير في الإخراج وتبسيط المعلومات، مسجلا أن هناك إقبالا كبيرا على هذا النوع الأدبي، خصوصا من قبل المدارس التي تستعملها ككتب داعمة في المناهج الدراسية.
وتعرف الكتب الموجهة للأطفال والشباب إقبالا كبيرا من قبل رواد المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط في دورته الـ 28، وهو ما يعكسه الحضور الكبير للزوار بالجناح الخاص بعرض هذا النوع من الكتب التي تضطلع بأهمية كبيرة في صقل شخصية الطفل، وتنمية مهاراته النقدية.