وسط أجواء يسودها التضرع والخشوع، يخلد الشعب المغربي، اليوم الأربعاء 25 أكتوبر 2023 الموافق للتاسع من ربيع الثاني1445، الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل ثاني ملوك المملكة المغربية بعد الإستقلال، والملك الثاني والعشرين للمغرب من سلالة العلويين، وواضع اللبنات الأولى في تأسيس نهضة مغربنا الحديث، جلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراه.
ويجسد تخليد هذه الذكرى، التي تأتي قبل أيام قليلة من الذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء المظفرة، إرادة شعبية راسخة للاحتفاء بأبرز محطات تاريخ المملكة، والترحم على روح ملك متبصر استطاع قيادة المغرب نحو العصرنة مع المحافظة على هويته وإرثه وحضارته.
كما تعدهذه الذكرى مناسبة يستحضر فيها المغاربة جميعا، مسار ملك همام وزعيم متفرد طبع ببصماته التحولات الكبرى التي عرفتها المملكة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وأثر بشخصيته ومكانته المرموقة وبعد نظره في الساحة الدبلوماسية الدولية.
ملك طبع ببصمته التاريخ الحديث للمغرب:
لقد تمكن المغرب، بفضل السياسة الحكيمة التي نهجها الملك الراحل الحسن الثاني، من تحقيق الوحدة الترابية للمملكة، وبناء الدولة وتقوية مؤسساتها.
وبالفعل، فقد طبع الملك الراحل التاريخ الحديث للمغرب من خلال ما حققه من تنمية اقتصادية واجتماعية للمملكة عكستها الإصلاحات العميقة التي باشرها والأوراش الكبرى التي أطلقها حتى أصبح المغرب مضرب المثل كبلد عصري وصاعد استطاع أن يوفق بين الأصالة والمعاصرة، تصورا وممارسة.
وهكذا، قام المغفور له الملك الحسن الثاني، بإرساء المؤسسات الديمقراطية وتعزيز الحريات العامة وترسيخ حقوق الإنسان وتشجيع الإبداع على المستويات الثقافية والمعمارية والفنية والرياضية.
مبدع المسيرة ومحقق الوحدة الترابية:
لم يكن الملك الراحل الحسن الثاني، وراء وضع سياسة تنموية ترتكز على مؤسسات قوية وعصرية وصانع السلم الاجتماعي بالمغرب فقط. بل كان أيضا القائد المحنك الذي استطاع أن يقود بنجاح الأمة في كفاحها السلمي لاستكمال وحدتها الترابية وضمان سيادتها، ولعل حدث المسيرة الخضراء سيظل علامة فارقة في تاريخ المغرب الحديث، والتي حققت استرجاع منطقة الصحراء المغربية،
و تمكنت هذه المسيرة المظفرة من تحقيق أهدافها في زمن قياسي بفضل التعبئة العامة للشعب المغربي الذي استجاب بعفوية وإقبال مكثف لـ “نداء الملك الحسن”، حيث شارك 650 ألف مغربي ومغربية في ملحمة المسيرة الخضراء التي خطط لها الملك الراحل بذكاء استراتيجي وقاد من اعادة منطقة الصحراء المغربية إلى حوزة الوطن
الملك الحسن الثاني وإمارة المؤمنين:
لقد كان الملك الحسن الثاني، قائدا سياسيا محنكا استطاع أن يرسي أسس الدولة المغربية الحديثة، كما كان في ذات الوقت رمزا دينيا، وقائدا روحيا، باعتباره أميرا للمؤمنين، يزكيه نسبه الشريف إلى البيت العلوي، وسعة اطلاعه على أصول الدين الإسلامي ومصادره وعلومه.
فكان له الفضل في إحياء مجموعة من السنن الحميدة التي دأب عليها المسلمون، ومنها على وجه الخصوص الدروس الحسنية، التي كانت ولا تزال محجا لأقطاب الفكر الإسلامي من جميع الآفاق، ومن كل المشارب، كما كانت تشكل مناسبة للحوار و للتعريف بالدين الإسلامي المبني على أسس السلام والمحبة والتعايش بين الأديان ونبذ العنف .
الحسن الثاني أحد المؤثرين في التاريخ العربي الحديث:
لقد عرف الملك الحسن الثاني على الصعيد الدولي، بمكانته الدبلوماسية، فقد عرف عنه دفاعه المستميت عن الحوار كسبيل ناجع لفض النزاعات وتحقيق السلم والأمن، وهو ما تجلى، بشكل خاص، في النزاع العربي-الإسرائيلي، بصفته رئيسا للجنة القدس، حيث انخرط في ملفات هذا النزاع بكل ثقله، وكان بذلك من بين الزعماء القلائل الذين تمكنوا من القيام بدور هام في دعم القضية الفلسطينية وإنعاش فرص السلام في الشرق الأوسط، فضلا عن التقريب بين الشعوب والحضارات والديانات.
على الصعيد القاري، تعددت مبادرات الملك الراحل ومساهماته من أجل توحيد القارة الافريقية وتحررها، ومنها على الخصوص جهوده في القارة الإفريقية، من خلال مساهمته في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، التي أصبحت سنة 2002 تحمل اسم الاتحاد الافريقي. ومساهمته الكبيرة في حركة عدم الإنحياز، و ريادته في فتح سبل الحوار والتلاقي بين الشعوب والأمم.
والواقع أن المغاربة، وهم يخلدون اليوم ذكرى وفاة هذا الملك العظيم، ليفخرون، وهم يشاهدون ويتابعون جهود وارث سره جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، وهو يواصل العمل الدؤوب من أجل وضع المغرب على سكة القرن الحادي والعشرين، مع ما يتطلبه ذلك من عصرنة وتحديث، عنوانهما الأوراش الكبرى التي أطلقها جلالته من شمال المملكة إلى جنوبها، وتعزيز مغربية الصحراء على الساحة الدولية والنهوض بالصحراء وجعلها قاطرة للتنمية الإقليمية والقارية.