آسية بنكبور (صحفية متدربة، وكالات)
المرأة العربية : كانت الشابة المصرية آية يوسف في رحلة ترفيهية على نهر النيل، ورقصت مع زملائها وزميلاتها، والتقط أحدهم فيديو لبضع دقائق، فدمّر حياتها وحياة أطفالها الثلاثة.
مازالت المرأة العربية تواجه تداعيات المجتمع العربي المحافظ، الذي طالما ظلمها، وحدَّ من حريتها، وعاتبها على أفعالها، ولامها على تصرفاتها العفوية أيضا. عكس الرجل العربي الذي لا يحاسبه أحد مهما كان حجم خطئه. فإذا تعرضت امرأة للاغتصاب في المجتمع العربي، الكل يلومها ويرجع السبب في لباسها الذي أثار المغتصب، وعوض محاسبته يزوجونها من مغتصبها للتستر على فعلته الشنيعة والمحافظة على شرف العائلة دون التفكير في نفسية المرأة التي سلبت منها حياتها. هذا مثال لكثير من حالات العنف والظلم الذي تتعرض له المرأة العربية وجعلها محصورة في مجتمع لا يقدرها.
مناسبة الحديث ما أثاره مؤخرا من جدل وسخط في مصر شريط فيديو لمعلمة ترقص مع زملاء لها خلال رحلة في نهر النيل، بين من يهاجمها متهما إياها بتحدي قيم المجتمع المحافظ، ومن يقف معها منددا بالتشهير بها، وبينهم ناشطات نسويات.
وكالعادة الكل لام المعلمة على تصرفها ولم يلوموا من التقط الفيديو أو من نشره.
ومع الأسف، كان الفيديو سبباً في تدمير حياة المعلمة المصرية التي تبلغ من العمر 30 سنة فقط، وأم لثلاثة أطفال. فقد فقدت معلمة اللغة العربية آية يوسف -التي تعمل منذ ثلاث سنوات في مدرسة ابتدائية في مدينة المنصورة شمال القاهرة- عملها بسبب ذلك الشريط.
كانت آية يوسف في رحلة ترفيهية في مركب على نهر النيل، ورقصت مع زملائها وزميلاتها، والتقط أحدهم فيديو لبضع دقائق بينما كانت ترقص بسروال طويل أسود ومنديل يغطي رأسها، قبل أن يجد الفيديو طريقه إلى مواقع التواصل الاجتماعي. كما تعرضت آية لحملة عنيفة، ولم يتحمّل زوجها الضغط، فطلقها بعد أن شكّكت تعليقات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي بسمعة زوجته وسلوكها، حيث كتب أحدهم مثلا: “لا أتصوّر أن امرأة متزوجة ترقص بهذا الشكل الخليع”.
وكتبت إيمان كريم على “تويتر”: “أنا رافضة لتصرف مدرّسة المنصورة، لأنها لم تقدّر ثقة زوجها، ورافضة أن ترقص هكذا وسط رجال أغراب، ولكنني أدين من صوّر ونشر الفيديو”.
وفي الوقت نفسه، أصدر وكيل وزارة التربية والتعليم بالدقهلية حيث تقع المدرسة، قرارًا بإحالتها مع خمسة من زملائها إلى النيابة الإدارية.
في مجتمعنا العربي، ما زالت النساء يرقصن في الحفلات الخاصة والأعراس، ولكن خروج ذلك الى مواقع التواصل الاجتماعي غالبا ما يتسبب بأزمات وحملات تشهير.
وبعد هذه الضجة الكبيرة التي كان سببها هذا الشريط الذي انتشر بسرعة كبيرة، تكلمت آية يوسف الى صحافيين ووسائل إعلام، مشيرة الى أنها لم تكن وحدها التي رقصت في تلك الرحلة، بل شارك زملاء وزميلات في الرقص
وقالت المعلمة المحبوبة من طلابها والمجازة في الأدب العربي والأم لثلاثة أطفال في إحدى المقابلات: “كان الأمر عاديا. كنا في رحلة ترفيهية في يوم جمعة”. كما أكدت أنها ستقاضي من صوّرها وأساء إليها والى أهلها وبيتها، مضيفة بأن “هذا تشهير”.
ومقابل ذلك، كتبت الممثلة هيدي كرم على حسابها على “إنستغرام”: “قصة عجيبة غريبة من نوعها وكلنا نتفرج عليها وساكتون(…) معلمة المنصورة كانت في رحلة نيلية مع زملائها الذين تعرفهم منذ سنوات، وربما تعرف زوجاتهم وعيالهم، سمعت موسيقى وتمايلت قليلا… دمرتموها وأضعتم مستقبلها”.
كما كتبت الممثلة والفنانة الاستعراضية المعروفة برقصها الجميل سمية الخشاب على “تويتر”، تعليقا على موقف زوج آية: “لمَ لا يقف الرجل قرب زوجته؟ علما أن نساء كثيرات جدا يكن سندا لأزواجهن عندما يدخلون السجن مثلا أو إذا تدهورت ظروفهم لأي سبب، ولا يتخلين عنهم”. وفي شريط فيديو نشرته على صفحتها على “فيسبوك”، دافعت المحامية نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، عن المعلمة وعرضت عليها وظيفة مصحّحة لغة عربية في مكتب المحاماة الخاص بها.
وتحت ضغط الحملة المضادة، أعلنت وزارة التربية والتعليم إعادة آية يوسف إلى عملها.
وقالت أبو القمصان “سنذهب الى المحكمة لتقول لنا هل الذي نشر الفيديو على الانترنت هو من ارتكب جريمة أم التي رقصت هي التي ارتكبت جريمة”. وفي إشارة الى أنه لا يوجد في القانون ما يجرّم سلوكا شخصيا كالرقص، تابعت الناشطة النسوية بلهجة ساخرة “سنطلب من المحكمة أن تقول لنا ما هي قواعد الرقص الصحيحة حتى تعرف كل من ترقص في فرح ابنها أو شقيقها أو في حفل عيد ميلاد ماهي معايير الرقص الصحيحة وما هي معايير الرقص المبتذل”.