تُعرف المكتب الشريف للفوسفاط OCP بأنها شركة عامة مغربية متخصصة في استخراج ومعالجة وتسويق الفوسفات والمنتجات المنشقة، لكن، وبكونها مؤسسة مواطنة مسؤولة اجتماعيا فهي تشارك أيضًا في مبادرات اجتماعية وبيئية تهدف إلى دعم المجتمعات المحلية، خاصة النساء والشباب.
في هذا السياق، يدعم المكتب الشريف للفوسفاط التعاونيات النسائية في مختلف مناطق المغرب. ويدعم أيضا الجمعيات التي تعمل على تعزيز وتحسين ظروف المرأة. فمن خلال دعم هذه المنظمات غير الحكومية، تساهم المؤسسة بالرفع من المستوى الاقتصادي للمرأة والعمل على المساواة بين الجنسين.
فللمكتب الشريف للفوسفاط شراكة تاريخية مع شبكة الصانعات التقليديات بالمغرب أقامها منذ عام 2008.
وفي سنة 2023، تم دعم شبة دار المعلمة في إطار الأنشطة التي ستقوم بها لفائدة الصانعات التقليديات، وأولها أسبوع النساء الحرفيات للمملكة المغربية في باريس، الذي نضم في الفترة الممتدة ما بين 27 فبراير و5 مارس، ويتواصل إلى غاية 30 مارس.
وخلال هذا النشاط، شاركت 7 تعاونيات نسائية تم تأطيرها من طرف المكتب الشريف للفوسفاط ب 101 منتوج . وإذا كانت المنتجات تتنوع بين تطريز وأوان زخرفية وأقمشة السيسي الرفيعة، فإن هاته الأخيرة هي التي حظيت باهتمام كبير خلال الأسبوع.
اكتشف الزوار قماش السيسي وتفاجؤوا ببراعته وشفافيته وجماله، فقماش السيسي من الأقمشة الأكثر كلفة وتفننا ضمن منتوجات الصانعة التقليدية المغربية. بادخ ونفيس، دأب على ارتدائه الملوك وأصحاب المقامات الرفيعة في المجتمع المغربي؛ وهو اللباس الرسمي في المناسبات الكبرى والحفلات الرسمية والدينية. كما يعد لباسا للعريس ليلة زفافه.
وقماش السيسي يصنع من طرف نساء منطقة تسمى زاوية سيدي سايس قرب الجديدة، وتعتبر قطعة القماش المنجزة أو”الخرقة” منتوجا من النوع الرفيع تقوم بإعداده نساء من الجيل الأخير، ممن آلت إليهن أسرار صناعته. وإنجاز قطعة قماش “سايسي” يتطلب تظافر جهود مجموعة من الصانعات في مدة تتراوح بين شهرين إلى ثالثة أشهر. إنها سيرورة مركبة تتجزأ لأربع وثلاثين مهمة. نذكر منها: اختيار الصوف، غسله، تجفيفه، جذبه ثم إعداده للندافة. وبفضل الدقة والعناية التي تولى للندافة تخرج خيوط رقيقة متقطعة. فتباشر الصانعات التقليديات، جماعيا، عملية نفش الصوف قبل جذبه ومضاعفة شرائحه؛ وهو ما يمكن من الحصول على أشرطة أكثر انتظاما. هنا يحين استخدام المندقة من الألياف القصيرة والشوائب. وهكذا تصير الأشرطة التي يتم ندفها وجذبها رطبة لتتشكل منها فتائل. تتحول بفضل عملية الغزل إلى خيوط صوفية دقيقة للغاية. وكلما كانت الخيوط رقيقة يصير العمل أكثر صعوبة، وبالتالي يصبح القماش أكثر صنعا وكلفة. وما يتوفر من الخيوط يتم مزجه بخيوط من الحرير الطبيعي.
إن إختيار الألوان لا يحده إلا مخيل الصانعة التقليدية، بحركات سحرية، تحبك الخيوط بحرفية عالية، ثم يتم تحديد طول السلسلة بوتدين يغرزان في عمق الأرض بثبات. تناط بالمهمة ثلاث نساء: واحدة عند كل وتد، والثالثة تراوح مكانها ذهابا وإيابا بينهما لمد الخيوط. وهي الحلقة الرئيسة في هاته العملية، فهاته المعلمة تعد كرئيس المجموعة السنفونية، تعطي إشارة البداية وتسير المجموعة وتضبط الإيقاع وتحافظ على الانسجام التام للمعزوفة التي هي في حالتنا خرقة قماش من النوع الرفيع، خرقة السيسي.
وتجري العملية في أجواء ذات مَسْحَة دينية. وبحكم إعتقاد قديم وراسخ ، فسلسلة النسج لا يمكن تسديتها إلا يوم الإثنين أو الخميس أي ما يسمى في المعتقد الإسلامي بالأيام البيض. والوتدان المغروزان في الأرض يجب مباركتهما بقول “بسم الله” مشفوعة بتكسير قوالب من السكر.
إذا كنا لا نزال نسعد بجمال هذا النسيج الاستثنائي، فلن تدوم هذه السعادة بعد الآن ، إلا تم وعلى وجه السرعة بلورة استراتيجية للحفاظ على هذا النسيج الاستثنائي.
يجب وضع آليات للحفاظ على تلقين الصنعة ونقلها وتسويق المنتوج وإيجاد منافذ جديدة، ويجب على هاته العملية أن تتم بسرعة لأن صاحبات هاته الدراية أصبحن نادرات.
ولا بد للإشارة بأن المكتب الوطني للفوسفاط بدعمه لهاته المبادرات التي تفضي إلى تحسين وضعية النساء القلائل العاملات في القطاع وكذلك يدفع إلى الحفاظ على هذا المنتوج الذي يسير نحو الاندثار.