علاء البكري
خرج ابن بطوطة من مسقط رأسه طنجة، وهي المدينة الصغيرة ذات المجتمع الضيق، ومن ثقافة شيوخه الدينية والتراثية، إلى عالم أرحب، وبلدان مختلفة، ومجتمعات متعددة بتعدد ثقافاتها.
في حكاية أخرى يرويها ابن بطوطة عن الشيخ جمال الدين الساوي الذي التقى بالقاضي في المقبرة، وتفسر سبب حلقه للحيته قبل ملاقاة القاضي، فيُذْكَر أن السبب الداعي للشيخ جمال الدين الساوي إلى حَلْق لحيته وحاجبيه أنه كان جميل الصورة حَسَنَ الوجه، فعَلِقَتْ به امرأة من أهل ساوة، وكانت تراسله وتعارضه في الطرق، وتدعوه لنفسها وهو يمتنع ويتهاون، فلما أعياها أَمْرُه دَسَّت له عجوزًا تصدَّتْ له إزاء دار على طريقه إلى المسجد وبيدها كتاب مختوم، فلما مر بها قالت له: يا سيدي أتُحْسِن القراءة؟ قال: نعم، قالت له: هذا الكتاب وَجَّهَهُ إلي ولدي وأحب أن تقرأه علي، فقال لها: نعم، فلما فتح الكتاب قالت له: يا سيدي، إن لولدي زوجة وهي بأسطوان الدار، فلو تفضلت بقراءته بين بابي الدار بحيث تُسْمِعُها، فأجابها لذلك، فلما تَوَسَّطَ بين البابين غَلَّقَت العجوز البابَ وخرجت المرأة وجواريها فتعلقْن به وأدخلْنَه إلى داخل الدار، وراودته المرأة عن نفسه، فلما رأى أن لا خلاص له، قال لها: إني حيث تريدين، فأريني بيت الخلاء، فأَرَتْه إياه، فأدخل معه الماء، وكانت عنده موسى حديدة، فحلق لحيته وحاجبيه وخرج عليها، فاستقْبَحَتْ هيئته واستنكَرَتْ فِعْلَه، وأَمَرَتْ بإخراجه، وعَصَمَهُ الله بذلك، فبقي على هيئته فيما بعد، وصار كُلُّ من يسلك طريقته يحلق رأسه ولحيته وحاجبيه.
ويروي اين بطوطة إثر دخوله مدينة “هُو” المصرية الواقعة بساحل النيل أنه زار السيد الشريف أبو محمد عبد الله الحسني وهو من كبار الأولياء الصالحين متبركًا برؤيته والسلام عليه، فسأله الشيخ عن قصده، فأخبَره ابن بطوطة أنه يريد حج البيت الحرام على طريق جدة، فقال له: لا يحصل لك هذا في هذا الوقت، فارجع. وإنما نَحُجُّ أَوَّلَ حجة على الدرب الشامي، فانْصَرَف ابن بطوطة عنه ولم يعمل بكلامه، ومضى في طريق حتى وصل إلى عيذاب، فلم يتمكن له السفر، فعاد أدراجه راجعًا إلى مصر ثم إلى الشام، وكان طريقه في أول حجته على الدرب الشامي حسبما أَخْبَره السيد الشريف، ثم سافرإلى مدينة قِنا، وهي صغيرة حسنة الأسواق وبها قبر الشريف الصالح الولي صاحب البراهين العجيبة والكرامات الشهيرة عبد الرحيم القناوي رحمة الله عليه.
ولعل أعجب وأغرب وأدهش ما عاينه ابن بطوطة في كل رحلته، لما كان في مدينة الخنساء الصينية (هانغتشو، اليوم)؛ المشعوذ الذي طلب منه الأمير ذات ليلة أن يريهم بعض عجائبه: فأخذ كرة خشب لها ثقب فيها سيور طوال، فرمى بها إلى الهواء فارتفعت حتى غابت عن الأبصار. فلم يبق من السير في يده إلا يسير، أمر متعلما له فتعلق به وصعد في الهواء إلى أن غاب عن أبصارنا، فدعاه فلم يجبه ثلاثا. فأخذ سكينا بيده كالمغتاظ وتعلق بالسير إلى أن غاب أيضا، ثم رمى برجله، ثم بيده الأخرى، ثم برجله الأخرى، ثم بجسده، ثم برأسه، ثم هبط وهو ينفخ، وثيابه ملطخة بالدم، فقبل الأرض بين يدي الأمير، وكلمه باللغة الصينية وأمر له الأمير بشيئ، ثم إنه أخذ أعضاء الصبي، فألصق بعضها ببعض، وركله برجله فقام مستوياً.