دراسات علمية: الطيور تمتلك من الوعي والإدراك أكثر مما كنا نتصور
أظهرت دراستان نُشرتا مؤخرا أن الطيور تملك القدرة على التفكير، وأن أدمغتها تعمل بطريقة تشبه أدمغة الثدييات، وهو ما يمكن أن يثير المزيد من الجدل في الأوساط العلمية حول مسألة الوعي الحيواني.
الغرابيات ودراسات الوعي
في تقرير نشرته صحيفة “لوتون” (Le Temps) السويسرية بتاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول الجاري، تقول الكاتبة سيلفي لوغان إن الطيور، وخاصة فصيلة الغرابيات، التي تضم الغداف وزاغ الجيف والعقعق والقيق وغيرها، عُرفت منذ فترة طويلة بقدرتها على استخدام بعض الأدوات، وحل عدد من الألغاز الهندسية، وحتى توقع المستقبل القريب؛ لكن دراسة علمية حديثة أظهرت أن الطيور تملك من الوعي أكثر مما كنا نعتقد بكثير.
وحسب الكاتبة، فإن هذه الدراسة التي نُشرت في مجلة “ساينس” (Science) نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، من شأنها أن تحيي مجددا النقاش العلمي الساخن حول الوعي الحيواني، وتدحض فكرة أن الوعي حكر على الإنسان وبعض القردة والثدييات.
وتؤكد الكاتبة أن الدراسات العلمية التي تهتم بالقدرات الإدراكية للحيوانات زادت بشكل ملحوظ منذ عام 2012، تزامنا مع توقيع مجموعة من العلماء البارزين، بمن فيهم الفيزيائي ستيفن هوكينغ، على إعلان كامبريدج بشأن الوعي. وقد اعتبر العلماء الموقعون على الإعلان أن “البشر ليسوا الوحيدين الذين يملكون الركائز العصبية التي تنتج الوعي”، وحثوا على تكثيف البحوث من أجل فهم قدرات الحيوانات الإدراكية بشكل أفضل.
الوعي الحسي لدى الطيور
تقول الكاتبة إن هذه الدراسة التي أجراها فريق من قسم فسيولوجيا الحيوان بمعهد علم الأعصاب بـ”جامعة توبنغن” (Tubingen University) الألمانية، تحت إشراف الدكتور أندرياس نيدر، هي الأولى من نوعها التي تُجرى فصيلة على غير فصيلة الرئيسيات، وهي الأولى التي تثبت وجود نوع من الوعي الأولي لدى الطيور، وقد أُطلق عليه الوعي الحسي أو الوعي الإدراكي.
يقول أندرياس نيدر في هذا الشأن “لا تمتلك الغرابيات إدراكا ذاتيا للمحفزات البصرية فحسب؛ بل يمكنها أيضا أن تخزّن تلك التجارب وتتذكرها، وهو ما يُعتبر أحد سمات الوعي الحسي”.
كما توصل العلماء إلى وجود نشاط في الخلايا العصبية للغربان عبر وضع أقطاب كهربائية في القشرة المخية، وهو الأمر الذي أثبتته أيضا دراسة أخرى نُشرت في سبتمبر/ أيلول الماضي في مجلة “ساينس”، كانت قد أُجريت على الحمام والبومة البيضاء، وهي طيور تملك ما يقارب ملياري خلية عصبية، ولها بنية عصبية مماثلة لقشرة دماغ الثديات.
ويؤكد نيدر أن “نشاط الخلايا العصبية يتم وفق عملية زمنية تقوم على مرحلتين. خلال المرحلة الأولى، يعكس النشاط العصبي بشكل رئيسي الكثافة المادية للحافز البصري، بينما لاحظنا في المرحلة الثانية وجود ارتباط بين عدد الخلايا العصبية النشطة والتجربة الذاتية للإدراك البصري”.
ويتابع الخبير الألماني “تم ربط الوعي منذ فترة طويلة بوظيفة القشرة المخية لدى البشر والقردة، الشيء الذي لا تمتلكه الطيور؛ لكنها طورت هياكل دماغية خاصة بها تسمح لها بامتلاك قدرات معرفية معقدة تمنحها تصورات واعية، مما يعني أن القشرة الدماغية ليست شرطا ضروريا للوعي عند جميع الحيوانات”.
معضلة تعريف الوعي
يرى ليونيل نقاش، طبيب الأعصاب في مستشفى بيتي سالبترير، والباحث في علم الأعصاب الإدراكي بمعهد الدماغ والنخاع الشوكي في باريس، أن هذه النتائج تضيف لبنة جديدة إلى نظرية الوعي، التي تُعرف بـ”مساحة العمل العالمي”، والتي طورها قبل 20 عاما خبير علم النفس العصبي الإدراكي، ستانيسلاس ديهان، وعالم الأعصاب الشهير، جان بيير شانجو. اعلان
ورغم هذه الدراسات، التي تثبت وجود درجة من الوعي لدى الحيوانات، تؤكد الكاتبة أن تحديد ماهية هذا الوعي ما زال محل خلاف في الأوساط العلمية والفلسفية.
في هذا السياق، ترى فلورنس بورغا، وهي فيلسوفة فرنسية ومديرة أبحاث في المعهد الوطني للبحوث الزراعية أن إخضاع الطيور للاختبارات، ومحاولة جعلها تتحدث، أو تقوم بعمليات حسابية باستخدام الأجهزة، لا يضعها في مواقف تنسجم مع طبيعتها كحيوانات؛ بل تنسجم مع طبيعتنا نحن البشر.
وتضيف “نحن بذلك نريد أن نعرف طبيعة قدراتها، عبر البحث عن الجانب البشري في الحيوان، وعبر مقارنة قدراتها الإدراكية مع قدرات الأطفال”. وحسب الكاتبة، فإن أحد العوائق، التي تعترض العلماء في الوصول إلى استنتاجات واضحة حول طبيعة الإدراك والوعي لدى الحيوانات، هو صعوبة تحديد ماهية الوعي في حد ذاته، حيث يحمل المصطلح العديد من المعاني علميا وفلسفيا ودينيا وأخلاقيا.
المصدر : الصحافة السويسرية