أثارت صورة الملكة المصرية تيي إعجاب الملايين، لا سيما لدى انتشارها عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبات السؤال الذي حير الكثيرين كيف استطاع المصريون القدماء الحفاظ على ملامح المومياوات، خاصة الشعر ليظل دليلا على حضارتهم حتى بعد مرور آلاف السنوات؟ بينما كانت للنساء أسئلة أخرى حول كيفية العناية بالشعر في مصر القديمة بالطرق الطبيعية.
عاشت الملكة “تيي” (Tiye) في عام 1398 قبل الميلاد، كان والدها يويا كاهنا إقليميا في بلدة أخميم، وعمل أيضا كقائد للعربات الملكية، وكان يمتلك قطعة كبيرة من الأرض، وكان يعتبر من أغنى المصريين في ذلك الوقت، أما والدة الملكة تيي فهي تجويا، التي كانت تُعرف أيضًا باسم تويا أو تجويو.
تزوجت الملكة تيي في وقت لاحق من أمنحتب الثالث، وأنجبت على الأقل 7 أبناء من بينهم أمنحتب الرابع “أخناتون”، وهي جدة للملك توت عنخ آمون.
إذن نحن أمام ملكة لديها فريق يعمل في خدمتها للعناية بجمالها، فكيف اهتمت الملكات في العصر القديم بالشعر والبشرة؟
رغم ارتداء الملكات للشعر المستعار؛ لكن من المعروف أن المصريين استخدموا الزيوت العطرية لنضارة الشعر والبشرة، إذ كان يغلف الشعر بشمع العسل ومواد دهنية أخرى، حيث كان شمع العسل باهظ الثمن، ولا يستخدمه سوى الملوك والنبلاء.
تنوعت تسريحات شعر المومياوات بين الطويل والقصير مع تجعيد الشعر بشكل خاص، وتم العثور على أدوات معدنية تشبه الملقط في العديد من المقابر. بمجرد تصفيف الشعر، كانت المواد الدهنية الطبيعية تستخدم لتثبيت تجعيد الشعر في مكانه.
كما استخدم المصريون مادة الحناء (تستخدم أيضا للأظافر والشفاه) لصبغ شعرهم باللون الأحمر، وتظهر الأبحاث التاريخية أن المصريين استخدموا الحناء لإخفاء الشيب منذ عام 3400 قبل الميلاد.
وهناك مجموعة أدلة من اللوحات، التي تصور وجود الأشخاص ذوي الشعر الأحمر المميز في الأسرة الـ18، وفق كوزو تاكاهاشي، جامعة ولاية مينيسوتا.
وكانت تسريحات الشعر النسائية فريدة من نوعها أكثر من تسريحات الرجال. وتفضل النساء عموما تسريحة ناعمة مع تموج طبيعي، وفضلت النساء في المملكة القديمة أن يكون لديهن قصات شعر قصيرة. ومع ذلك، كانت النساء في المملكة الحديثة (1550-1070 قبل الميلاد) يرتدين شعرا مستعارا، كما ربطت النساء شعرهن وزينه بالورود وشرائط الكتان.
كانت زهرة اللوتس المنمقة هي الزينة المفضلة للرأس، ومنها تطور ذلك إلى استخدام تيجان وأكاليل، وتم اكتشاف تيجان مصنوعة من الذهب والفيروز والعقيق وخرز الملكيت على جسد مصري قديم يعود تاريخه إلى 3200 قبل الميلاد. واستخدم الأشخاص الأكثر فقرا زخارف بسيطة وغير مكلفة من البتلات والتوت لتثبيت الشعر في الخلف. كما قام الأطفال بتزيين شعرهم بتمائم من الأسماك الصغيرة، من المفترض أنها تحميهم من أخطار النيل، كما كان المصريون يرتدون عصابات على رؤوسهم أو يثبتون شعرهم بدبابيس شعر من العاج والمعدن، ويمكن استخدام الخرز لربط الشعر المستعار أو وصلات الشعر.
علاج تساقط الشعر
كما هو الحال اليوم، كان المصريون القدماء يواجهون أيضا مشكلة تساقط الشعر نفسها، وكانوا يريدون الحفاظ على مظهرهم الشاب لأطول فترة ممكنة.
استخدم المصريون أنواعا عديدة من العلاجات التي تستهدف الرجال في المقام الأول، لعلاج الصلع. ويعتقد أنه في عام 1150 قبل الميلاد، استخدم الرجال دهن الوعل والأسود والتماسيح والثعابين وفرس النهر على فروة رأسهم، كما ينسب إليهم استخدام دهن القطط والماعز والخس المفروم لعلاج الصلع، وتحفيز نمو الشعر.
بالعودة إلى المنتجات الطبيعية التي استخدمها المصريون في العناية بالشعر، تشير الدراسات إلى استخدامهم للزيوت العطرية كزيت إكليل الجبل وزيت اللوز (الحلو) وزيت الخروع لتحفيز نمو الشعر. وكذلك استعانوا ببذور الحلبة، التي ما يزال علماء الأعشاب وعلماء الأدوية يستخدمونها حتى اليوم.
“جل الشعر” المصري القديم
كشف تحليل للمومياوات تم الإعلان عنه في عام 2011، أن قدماء المصريين قاموا بتصفيف شعرهم باستخدام مادة هلامية تحتوي على دهون. قال الباحثون الذين أجروا الدراسة إن المصريين استخدموا المنتج للتأكد من بقاء شعرهم بالطريقة التي يريدونها في الحياة والموت.
قادت الدراسة ناتالي ماكريش، عالمة آثار ومتخصصة في علم المصريات بجامعة مانشستر في بريطانيا، وقد درس فريقها عينات شعر من 18 مومياء، أقدمها كان عمره حوالي 3500 عام، وتشمل الذكور والإناث الذين تتراوح أعمارهم من 4 إلى 58 عاما.
تم تحنيط البعض بشكل مصطنع، والبعض الآخر تم الحفاظ عليه بشكل طبيعي من خلال الرمال الجافة التي دفنوا فيها.
وكشف الفحص المجهري باستخدام الضوء والإلكترونات أن 9 من المومياوات لديها شعر مغطى بمادة غامضة تشبه الدهون. استخدم الباحثون تقنية كروماتوغرافيا الغاز؛ لفصل الجزيئات المختلفة في العينات، ووجدوا أن الغلاف يحتوي على أحماض دهنية بيولوجية بما في ذلك حمض البالمتيك وحمض دهني.
وتعتقد ماكريش أن الطلاء الدهني هو منتج تصفيف تم استخدامه لتثبيت الشعر في مكانه. تم العثور عليه في كل من المومياوات الطبيعية والاصطناعية؛ لذلك تعتقد أنه كان أحد منتجات التجميل خلال الحياة وجزءا أساسيا من عملية التحنيط.
لم يتم العثور على الراتنجات ومواد التحنيط المستخدمة في تحضير الجثث المحنطة صناعيا في عينات الشعر؛ مما يشير إلى أن الشعر كان محميا أثناء التحنيط ثم تم تصفيفه بشكل منفصل. تقول ماكريش “ربما أولوا اهتماما خاصا بالشعر؛ لأنهم أدركوا أنه لا يتحلل مثل بقية الجسم”.