علاء البكري
بين مطرقة الألم وسندان الصبر، ظل الطفل ريان يقاوم مرارة الموت في غيابة الجب خمسة أيام. عانى خلالها آلام الكسر والوحدة، ومغص الجوع والعطش، كابد فيها برودة التربة، ولا ريب أنه رأى شبح الموت مرارا لكنه تشبث بأمل إنقاذه فظل صابرا محتسبا.
بعد خمسة أيام من الحفر والتنقيب والترقب والانتظار خرج ريان من غياهب البئر جثة هامدة وقطع الشك باليقين، وأنهى مأساة هذا الانتظار الحارق من أجل إخراجه من الجب الضيق العميق الذي زلت فيه قدمه، فهوى إلى قاعه، عندما كان عائدا إلى أحضان والديه.
لم يكن ريان أول طفل تزل به قدمه إلى بئر سحيقة مظلمة، لكنه استطاع أن يحجز لنفسه مساحة كبيرة من الأضواء عبر العالم منذ وقت طويل، وتحول إلى أيقونة للصبر والألم والوحدة والمشاعر والأحاسيس التضامنية الجامعة بين العرب من المغرب إلى المشرق ومن المحيط إلى الخليج. حيث اكتسبت قضيته شهرة وتعاطفًا عالميًا، وتابع الملايين من الناس عملية إنقاذه على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى قنوات التلفزة المحلية والعربية والعالمية.
في الأول من هذا الشهر اختفى الطفل ريان أورام البالغ من العمر خمس سنوات بشكل مفاجئ عصر ذلك اليوم، إذ كان يلعب بالقرب من بئر عميقة في مكان ليس ببعيد عن منزله قبل لحظات من سقوطه. ظن أهله في البداية أنه جرى اختطافه، لكنهم بعد محاولات من البحث المتواصل عثر عليه بعد الاستعانة بكشاف هاتف متنقل عالقا داخل البئر ومصابا بجروح في رأسه، وربما كان يعاني من بعض الكسور جراء السقطة التي امتدت إلى 32 مترا وذلك في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي. قال والده إنه ذهب لصلاة العصر وعندما عاد لم يجده. وذكر أقارب الطفل إن سطح البئر كان مغطى بغطاء معدني ويرجح أن عربة مرت فوقه ونزعته.
تواصل والده بمساعدة الأهالي مع السلطات التي سارعت لإنقاذه، وبفحص البئر تبين أن عمقها يصل إلى 62 مترًا، وأن الطفل قد سقط فيه وعلق على عمق 32 مترًا، استعانت قوات الوقاية المدنية في البداية بجرافتين لتوسعة مدخل الحفرة الضيقة، ثم أنزلوا كاميرا موثوقة بالحبال وبها كشافات لإضاءة المكان والاطمئنان على الطفل. وبُذلت خلال الخمسة أيام الفارطة عدة محاولات لإخراج الطفل ريان قامت بها مختلف السلطات المحلية لكنها للأسف باءت جميعها بالفشل لضيق فوهة البئر.
وتصدر هاشتاغ #أنقذوا_ريان# جميع موقع التواصل الاجتماعي في دول عربية عدة للتعبير عن تضامنهم مع الطفل وأهله، منها الجزائر وقطر والإمارات ومصر والسعودية، تزامنا مع مواصلة السلطات المغربية جهود الإنقاذ، واجتاحت قضيته مواقع التواصل الاجتماعي منذ إعلان نبأ سقوطه في البئر ومباشرة عمليات انقاذه، كما عبر الآلاف من رواد مواقع التواصل عن تضامنهم وتعاطفهم، مشيرين إلى أن أنهم يتابعون تطورات الحادثة لحظة بلحظة عبر وسائل الإعلام المغربية والعربية.
وفي إشارة إلى التأثر الكبير بهذه المأساة، أعلن الديوان الملكي مساء أمس السبت عن وفاة الطفل ريان متأثرا بجراحه التي لحقت به بعد سقوطه في البئر منذ خمسة أيام. أجرى الملك محمد السادس اتصالا هاتفيا مع والد ووالدة الطفل وأعرب عن تعازيه وأصدق مواساته، وأكد بأنه كان يتابع عن كثب تطورات هذا الحادث المأساوي، حيث أصدر تعليماته لكل السلطات المعنية قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة وبذل أقصى الجهود لإنقاذ حياة الطفل. كما عبر الملك محمد السادس عن تقديره للجهود الدؤوبة التي بذلتها مختلف السلطات والقوات العمومية، والفعاليات الجمعوية.
رحم الله ريان وألهم ذويه صبرا جميلا وسلوانا..