بقلم اسية بنكبور
يعد القفطان المغربي من أقدم الألبسة التقليدية بالعالم. إذ يعود ظهوره للقرن الثاني عشر خلال عهد الدولة الموحدية، حيث كان السلاطين يبحثون عن لباس يليق بمكانتهم، فكان السلطان المغربي أبو حفص عمر المرتضي أول سلطان ارتدى القفطان المغربي. وبعد الدولة الموحدية جاءت الدولة المرينية التي أعطت قيمة أكبر للقفطان حيث أصبح اللباس الرسمي للسلطان. وخلال القرن 15 ميلادي، الموافق للعهد الوطاسي، أصبحت النساء بفاس يرتدين فقط القفطان المغربي وقد كان من عادة أهل فاس أن يقدموا قفاطين مغربية مع جهاز العروس خلال العهد الوطاسي الشيء الذي لا يزال المغاربة يحافظون عليه. وكان القفطان في القرن 16 مصنوعًا بشكل عام من الصوف الأزرق أو القماش الحريري ومزيناً بخيوط ذهبية، بدون أكمام ومغلق بأزرار ذهبية. أما الحزام، (المْضمّة)، فكان عبارة عن وشاح حريري مرصع باللآلئ، وبغطاء ذهبي طويل يتم ربطه كالذيل في أجزائه الداخلية ويصل إلى الأرض. وفي القرن الثامن عشر أصبح القفطان المغربي بطول الكاحل ومفتوحا من الجانب فقط، ثم تغير شكله ليصبح لباسا يشبه المعطف بأكمام طويلة وعادة ما يكون مصنوعا من الصوف أو المخمل أو القطن مرفوقا بحزام تضعه المرأة حول خصرها. ورويداً رويداً، انتشر القفطان المغربي بين عامة نساء المجتمع بعد أن كان حكرا فقط على ذوات الجاه والمال. ومع اختراع الكاميرا التقطت العديد من الصور لمغربيات بالقفطان المغربي من جميع أنحاء المملكة المغربية وتميزت كل منطقة بالمملكة بنوع من القفاطين كالقفطان التطواني والرباطي والفاسي.
هكذا انطلقت رحلة القفطان المغربي، حيث مازال المصممون يحافظون على أصالة القفطان بإضافة لمستهم العصرية التي تتماشى مع العصر الحالي. وأصبح القفطان اليوم اختيار كل سيدة مغربية وعربية أيضا لحضور الحفلات والمناسبات، وأصبحت المصممات المغربيات ينافسن الماركات العالمية. ولا غرو أن الحديث عن عالم التصميم النسائي بالمغرب يستوجب منا بشكل بديهي استحضار اسم المصممة المغربية “أمينة بنزكري بن رحال”، التي طالما تميزت بتصاميمها عن باقي المصممات المغربيات. فكما وصفتها عروض أزياء عالمية ومتعهدو المناسبات المتعلقة بالموضة فإنها دائمة الاجتهاد وحريصة على التجديد والإبداع في عالم الأزياء.
استقبلتنا المصممة أمينة بنزكري بوجه بشوش وحفاوة في منزلها العامر بالدار البيضاء حيث أحسست أنني في رياض من رياضات مدينة مكناس التي أعرفها. وقد أخبرتني السيدة أمينة تحديداً أنها قامت باختيار تصميم يحاكي رياض والدتها الموجود بمكناس. فمنزلها يتميز بالطابع التقليدي ويذكّرك بالمنازل المغربية القديمة حيث زينت جدرانه بزخارف أندلسية، كما أنها تتمتع بذوق رفيع في اختيار ديكورات المنزل، ما ينم عن روح الإبداع فيها وتميز إبداعاتها. تقول أمينة بنزكري بن رحال في تصريحاتها لمجلة “فرح”: “مادامت الشخصياتُ تختلفُ من شخص لأخر، فإن الزي هو الذي يميز هذه الشخصية ويميزها عن غيرها، إنه لوحة جمالية تضفي على الإنسان حلة من الأناقة كما أنه مرآة تعكس حضارة الإنسان”.
كانت أمينة بنزكري من النساء الأُوليَات السباقات لتنظيم عروض الأزياء داخل وخارج أرض الوطن. كما شاركت في تظاهرات عالمية أبرزها “إيرميس” و”إيفسالوغو”. وقد تم تكريم أمينة مؤخرا خلال الدورة الرابعة لمهرجان ملكة حسناوات العرب في العالم، حيث كان الفضل كل الفضل لتصاميمها في تألق الفائزات في المهرجان. وتعد أمينة من رائدات القفطان المغربي التقليدي الأصيل، سيما وأن إبداعها لقي صيتا كبيرا خلال الخمس وعشرين سنة من تجربتها في المجال، فتقول إن علاقتها بهذا الفن هو شعور وإحساس قد نشأ معها منذ نعومة أظافرها، وأنه في حد ذاته بمثابة تربية لم تزدها إلا ارتباطا بهذا العالم، خاصة إذا علمنا أن أباها كان تاجرا في الأقمشة الباهظة، ووالدتها للا رادية هنوس كانت مولعة بممارسة الخياطة حيت اشتغلت ولمدة طويلة في دار الموضة العالمية ارميس .
وتضيف المصممة المغربية أن كل تصميم من تصاميمها هو من إلهام والدتها، فقد كانت تستشيرها في كل عمل تقدم على إنجازه، وذلك نظرا لخبرتها الواسعة في مجال الخياطة. فعلى الرغم من كبر سن والدتها إلا أنها كانت امرأة معاصرة وتحب التجديد وتحترم جميع الأذواق. كما أكدت على أن ارتباطها الوثيق بميدان الطرز والخياطة رافقها منذ نعومة أظافرها، حيث كانت والدتها تشجعها دائماً على خياطة الأقمشة بأناملها عوض استعمال الآلة، كما علمتها تنسيق ألوان الأثواب وتفصيلها، وكل خبايا هذه الحرفة التي توارثتها من جيل لآخر.
“للا راضية ، أمي ملاكي الدي يحميني طوال حياتي. هذا النصب الذي اختفى عن عمر 90 عامًا سيبقى بالتأكيد محفورًا في أعمقي لأنني كنت ثمرته ومعجزة بعد سنوات من الزواج. قصتي مع أمي تستحق عملاً أدبيًا لأنها أعطتني الحياة لفترة طويلة ثم أعدتها إليها. قصة لا مثيل لها. لذلك خسرت وأمي وطفلي”- امينة بنزكري