لما كان الإبداع مطلبا ضروريا لحسم تناقض أو إشكالية ما، لم تجد المرأة في مسيرتها النضالية الطويلة نحو التحرر والانعتاق موضع قدم لنفسها إلا عن طريق الكتابة، محاولة بذلك فرض ذاتها وحصولها على استقلاليتها وحرية تتيح لها ممارسةً حياتيةً لا تختلف عن حياة الرجل، وهي التي عانت الكثير من التهميش والظلم ووُصفت بكل شيئ عدا كونها إنسانا مساويا للرجل.
وبعد انتزاعهن الحق في التعلم والتثقيف، شرع الصوت النسوي بالتبلور وفرض نفسه في كل المجالات التي خاضتها المرأة على اختلاف تنوعاتها، تزامنا مع ظهور حركة نسوية طالبت بانتزاع حريات عديدة للمرأة من منطلق جندري، فأدى ذلك إلى ظهور كتابة أدبية جديدة تنحاز لمطالب المرأة وتنادي بمساحة أرحب تحررها من قبضة الوعي الذكوري.
وبما أننا نتحدث عن الأدب النسوي، فإن المرأة المبدعة أخذت على عاتقها مهمة الحكي النسوي، والذي تميزَّ بقوة الطرح والجرأة وتصوير نضال المرأة في هذه الحياة الظالمة لها، لتُشَكِل كل هذه الكتابات ما اصطُلح عليه اليوم بالأدب النسائي.
إن اصطلاح “الأدب النسائي” ما زال إلى حد اليوم أحد المصطلحات الإشكالية المثيرة للجدل التي يستنكرها البعض ويتفق عليها البعض الآخر نساء ورجالا، فالأدب النسوي لدى البعض هو الأدب الذي تكتبه المرأة، وعند آخرين كل الكتابات التي تحكي عن المرأة وعمَّا يتعلق بها، بآلامها، بآمالها، بطموحاتها وبأحلامها.
وانطلاقا من هذين التصنيفين، يمكن أن يكون الأدب النسوي متعلقًا بالجنوسة أو نوع الجنس، فنقول عن كل ما تكتبه المرأة أدبا نسويا/ نسائيا؛ أو ما تعلقت مواضيعه ومضامينه بما يخص المرأة فقط دون غيرها من بقية الصنوف كأدب الطفل، أدب المهجر، الأدب العربي، الأدب الفرانكفوني..إلخ.
وبما أنَّ المصطلح حديث الابتكار، فإنَّه لا يزال يتأرجح بين الرفض والقبول، وعند الحديث عن الرافضين للمصطلح، نواجه مجموعة كبيرة رافضة للتصنيف من الأساس، انطلاقا من عدم تميز أدب المرأة أو وجود خصوصية فيه، فالأدب مهما كان كاتبه يبقى أدبًا يعتمد على اللغة والأحداث ومجموع العناصر الفنية التي تشكل جنسه الأدبي.
وهو ما تصرح به الأديبة والروائية السورية كوليت خوري، في قولها”برأيي الشخصي هناك أدب ولا أدب، ولا يوجد بالتالي أدب نسائي أو رجالي.. كل هذه التصنيفات كالقول بوجود أدب زنوج وأدب أطفال وأدب عربي وغيره…، ليس لها مبرر بالرغم من أنَّ هذه التصنيفات لا تجد اعتراضا كما هو الحال بالنسبة للأدب النسوي”.
وتؤيدها في قولها الروائية أحلام مستغانمي، التي تقرُّ بأنَّها “لا تؤمن بالأدب النسائي قائلة: عندما أقرأ كتابا لا أسأل نفس ي بالدرجة الأولى هل الكاتب رجل أم امرأة” .
وكما كان هناك رافضات، كان هناك مؤيدات أيَدن الفكرة وتحمسن لها كثيرا واعتبرن أنَّ مصطلح “الأدب النسوي” بشكل عام هو مفخرة للمرأة ومصدر اعتزاز لها، لا يجب أن يُقَابل بالرفض أبدًا.
ولعل ما أكدته سارا ميلر في كتابها “الخطاب” يدعم الإبداع النسوي ووجوده، بقولها: “إنَّ العمل النسائي الحديث تحرك من كونه رؤية المرأة كمجموعات مضطهدة، أو كضحايا لسيطرة الرجال إلى محاولة لصياغة الطرق في تحليل القوة كما أظهرت نفسها وقاومت علاقات الحياة اليومية”.
وتقول الناقدة الإماراتية حمدة خميس: “إنَّ أدب المرأة واقعا ومصطلحا، ينبغي أن يكون مصدر اعتزاز المرأة والمجتمع والنقاد، إذ أنه يصحح مفهوم الأدب النسائي الذي يؤكد على قيمة الإنسان وقدرته على تحقيق ذاته، كما إنه يضيف إلى الأدب السائد نكهة مغايرة ولغة وليدة ويعينه وبتكامل معه، وهو أيضا خطاب نهوض وتنوير.
إن المحاولات السابقة المؤيدة والمخالفة للتسمية، لا تعدو أن تكون خوضا في مسألة يغلب عليها كثير من الافتعال، فالأدب سواء كتبه الرجل أم المرأة تبقى قيمته متمثلة في مدى تبنيه لقضايا الإنسان من حيث هو إنسان.