انفلات الأعصاب، فقدان السيطرة على النفس، تبادل سب وشتم قد يتطور إلى عنف جسدي في الشارع العام، كلها تمثلات عدوانية لسلوك عنيف لدى البعض خلال شهر الصيام، تسجل باسم ما يطلق عليه المغاربة وصف “الترمضينة”.
وترتبط ظاهرة “الترمضينة ” في المغرب بالانفعال والغضب الذي يرافق الصيام لدى البعض خلال شهر رمضان، ويتطور تدريجيا إلى عنف لفضي أو جسدي قد تستعمل فيه أحيانا أسلحة بيضاء، كما قد يؤدي إلى جرائم قتل بشعة، لأسباب بسيطة في غالب الأحيان، وخاصة قبيل موعد آذان المغرب.
وتعود الأسباب وراء “الترمضينة” بحسب البعض إلى التوتر والقلق الذي ينتج عن الإمساك عن بعض مسببات الإدمان مثل السجائر والمخدرات والقهوة، فيما يرفض آخرون تبرير هذه الممارسات العنيفة بحجة الصيام وربطها بشهر التسامح والغفران
قلق وغضب في نهار رمضان
علميا يؤكد الأخصائيون في المجال الطب، أن التوقف عن استهلاك بعض المواد المسببة للإدمان مثل مادة “النيكوتين” الموجود في السجائر، قد يولد تأثيرات نفسية وعصبية، كالقلق والغضب، وتقلب المزاج مع الأرق والإحساس بالجوع.
وحسب مدير المرصد المغربي للمخدرات والإدمان والعضو في اللجنة الوطنية للمخدرات، الدكتور جلال توفيق، فإن ارتفاع منسوب التوتر العصبي المفضي إلى بعض الممارسات العنيفة لدى المدمنين خلال شهر رمضان، يعود إلى عدة أسباب من أبرزها الإقلاع عن التدخين أو التوقف عن استهلاك بعض أنواع المخدرات وعلى رأسها الحشيش.
ويضيف الدكتور توفيق في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن تدني مستوى السكر في الدم والاختلال في نمط العيش اليومي خلال شهر رمضان، يساهمان بدورهما في زيادة التوتر والقلق لدى الفرد، وبالتالي ظهور سلوكيات تدخل في خانة ما يعرف بـ”الترمضينة”.
ومن بين أهم الأسباب التي تؤدي إلى الانفعال وتزايد سرعة الغضب خلال ساعات الصيام، يشير الدكتور أيضا إلى الاختلالات في نمط النوم خلال الليل، والتي تتسبب في اضطرابات نفسية ناجمة عن عدم إفراز الجسم لهرمون “الميلاتونين”، الذي يساعد على تنظيم دورة النوم لدى الإنسان.
وكشفت عدد من الأبحاث والدراسات الطبية أن عدم حصول الشخص على كفايته من النوم، قد يؤثر بشكل مباشر على مزاجه خلال النهار، مما يزيد من مستوى التوتر والقلق النفسي لديه.
ويعتبر الخبير المغربي في مجال مكافحة المخدرات أن شهر رمضان هو أفضل فرصة بالنسبة للمدمنين من أجل الإقلاع النهائي عن تدخين السجائر والتوقف عن تعاطي المخدرات، ويشدد على ضرورة الحفاظ على دورة النوم العادية، وعدم السهر إلى ساعات متأخرة، لتجب الشعور بالتعب والتوتر والغضب أثناء النهار.
ومع تزايد مظاهر العنف بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان، بجميع مناطق المغرب وبصورة أكبر في المدن الكبرى، فإن عددا من الباحثين الاجتماعيين يشددون على أن ممارسة العنف لا ترتبط بوقت أو شهر محدد، ويؤكدون على أن المجتمع يشهد على مثل تلك السلوكات طيلة أيام السنة.
ويرفض الباحث المتخصص في علم النفس الاجتماعي، محسن بنزاكور، ربط ظاهرة “الترمضينة” وما تحمله من سلوكات عنيفة بشهر رمضان، ويمثل هذه الظاهرة بالشماعة الجاهزة التي تعلق عليها كل ممارسة غير مقبولة ومتنافية مع قيم شهر الصيام.
وفي ذات السياق يتابع بنزاكور في حديث مع “سكاي نيوز عربية”، أن “الترمضينة وهي مصطلح مغربي وظاهرة مجتمعية وحجة من لا حجة له لتبرر ممارسات غير مقبولة، لأشخاص سريعي الغضب والانفعال والذين ينشرون أجواء غير صحية في الشارع أو داخل منازلهم، طيلة أشهر السنة”.
من جهة أخرى يرى بنزاكور، أن للإقلاع عن التدخين دورا في الشعور بالتوتر والقلق خلال ساعات الصيام، لكنه يعود ويؤكد أنه يمكن للشخص السيطرة على غضبه حتى لا يدخل في مشادات لفظية أو جسدية لأسباب بسيطة جدا.
وإضافة إلى الأشخاص سريعي الغضب ومدمني السجائر، يشير بنزاكور، إلى أن هناك نوعا ثالثا من الأشخاص الذين يعلقون تصرفاتهم أيضا خلال هذا الشهر على شماعة “الترمضينة”، وهم الأشخاص الذين يحاولون فرض سيطرتهم على الآخرين من خلال القيام بأعمال عنف وترهيب في الشارع العام.
وبصفة عامة يرى بنزاكور أن ظاهرة “الترمضينة” تحيل على الخلل الحاصل في العلاقة بين الأفراد، خاصة عندما يغيب عنها الصبر وحس التحضر لتسيطر بدلهما أفعال عنيفة غير مبررة.
ويشدد الباحث الاجتماعي على أن الجانب الروحي لشهر رمضان يتعارض تماما مع مثل تلك الممارسات غير المقبولة، سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية أو الدينية.
شهر الطمأنينة والهدوء النفسي
وباعتبار أن الصيام هو فرصة لترسيخ قيم التسامح والمحبة، ولمحو الذنوب والمعاصي والعتق من النار، فإن فقهاء الدين يحثون الأشخاص الصائمين على عدم الانسياق أو الاندفاع وراء مظاهر وسلوكات سيئة قد تؤدي بهم إلى الدخول في ملسنات أو معارك حادة خلال هذا الشهر.
يقول خطيب الجمعة، وعضو المجلس العلمي بإقليم النواصر، محمد الحياني، إن بعض السلوكات المشينة خلال شهر رمضان والتي تصنف ضمن خانة “الترمضينة”، تتنافى بشكل تام مع أهداف الصوم، الذي يعتبر بمثابة حصن منيع يقي من الوقوع في مثل تلك الأفعال العنيفة.
ويضيف الحياني في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية”، أنه “انطلاقا من أحادث النبي محمد (ص)، فإن الصيام يعتبر وقاية تمنع الصائم من أن يتعرض أو يعرض الآخرين للسب والشتم والخصومة وغيرها من السلوكات التي تنتشر خلال هذا الشهر الفضيل”.
ويشدد المتحدث على أن الصيام الذي ينمي لدى الفرد القدرة على التحكم في الذات، ويعتبر بمثابة تهذيب للنفس والسلوك، يجب أن تطغى على أجوائه العامة حالة من الصفاء والنقاء الروحي، حتى يصل الصائمون إلى الطمأنينة والهدوء النفسي، اللذين يقطعان الطريق أمام أي سلوك مشين من شأنه أن يعكر صفو شهر الصيام والعبادة.
المصدر سكاي نيوز