علاء الـبـكـري
أيها الشعب الوفي..
مهما تمسكتم بالعروة الوثقى، ما كان شيء ليضركم كيفما كانت شِرته، إذ لا شِرة تدوم في الحياة الدنيا.
أيها الشعب العزيز..
وعدتَ بالإخلاص ووفيت أحسن الوفاء، وكنتَ من الصابرين فكان لك ما وعد الله به؛ إنما يوفّى الصابرون أجورهم بغير حساب.
أيها الشعب العزيز..
قد أخلصت الوفاء كما أخلصتُ، وأديت الواجب أحسن أداء كما أديتُ، وها أنا بينكم كما تعهدوننا، حب البلاد رائدنا وخدمتها غايتنا.
الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور”
” من خطاب الملك محمد الخامس”
بهذه الكلمات التي تقشعر لها الأبدان، وجه المغفور له الملك – والسلطان آنذاك – محمد الخامس طيب الله ثراه خطابه لشعبه الأبي، يوم 18 نونبر 1955، بعد أول صلاة جمعة صلاها في رحاب باحة مسجد حسان التاريخية بالعاصمة الرباط، بعد أن قضى عامين كاملين منفيا مع أسرته الملكية الشريف بين كورسيكا ومدغشقر حيث ساقهم إليهما الاستعمار الفرنسي، ما بين سنتي 1953 و 1954.
فخلال 16 نونبر 1955 حطت الطائرة التي كانت تقل المغفور له محمد الخامس ورفيق دربه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني، الذي كان حينها وليا للعهد، إلى جانب الأسرة الملكية، بمطار الرباط سلا حيث اجتمعت حشود غفيرة لاستقبال بطل التحرير ورمز الكفاح محمد الخامس.
وقد تواصلت الاحتفالات بهذا الحدث العظيم على مدى ثلاثة أيام بمختلف جهات المملكة، تؤرخ لمرحلة جديدة من تاريخ الأمة وتجسد التلاحم التام بين العرش والشعب من أجل نيل الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية.
وقد أكد جلالة المغفور له محمد الخامس ضمن خطاب للأمة بأن جهادا من نوع آخر سينطلق “لقد انتقلنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”، شاكرا العلي القدير الذي “من علينا باللقاء مجددا، ووضع حدا لمعاناتنا”.
إنه فصل هام في تاريخ المقاومة الوطنية رام الدفاع عن القيم المقدسة للمملكة وضمان استدامة مجد البلاد.
وفي الـ 18 من نونبر من نفس العام، أعلن جلالة المغفور له محمد الخامس، وبجانبه رفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني انتهاء ربقة الاحتلال وبزوغ عهد الحرية والاستقلال. وهو التاريخ نفسه الذي تم اختياره لرمزيته الخاصة ليكون موعدا للعودة الرسمية للملك الذي ظل بعيدا عن عرشه وشعبه منذ 20 غشت 1953، لكنه عاد بفضل بفضل التلاحم النموذجي بينه وبين شعبه الوفي إبان تلك الفترة، لا سيما مساندته رحمه الله للمطالبة بالاستقلال وتعاونه مع قادة الحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال.
وتتمثل رمزية هذا التاريخ أيضا في كونه يصادف ذكرى اعتلاء محمد الخامس عرش المغرب عام 1927، إلا أنه وبعد سنوات من الاحتفال بعيد الاستقلال المغربي في الـ 2 من مارس، وهو التاريخ نفسه الذي شهد التوقيع بشكل رسمي على إنهاء الحماية الفرنسية بالمغرب عام 1956، إلى أن عاد الاحتفال بعيد الاستقلال إلى الـ 18 من نونبر، ابتداء من العام 1961.
وسيرا على خطى والده المنعم، واصل جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني، خوضه معركة استكمال الوحدة الترابية، فتم على يديه استرجاع مدينة إفني في 30 يونيو 1969، كما تحقق في عهده استرجاع كل الأقاليم الجنوبية مع انطلاق المسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 1975، زيادة على ذلك دأب جلالته – رحمه الله – على بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات الحديثة، وإرساء نظام سياسي ديمقراطي يُقتدى به.
وترسيخا لمسيرة البناء التي قام بها المغفور له محمد الخامس ومن بعده المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراهما، تشهد المملكة المغربية الشريفة تحت لواء صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله العديد من الأوراش التنموية العملاقة والإصلاحات الكبرى التي تخص مختلف القطاعات والمجالات، سيما إطلاق النموذج التنموي الجديد، وورش تعميم الحماية الاجتماعية.
وإن أحد أبرز معالم عهد الملك محمد السادس حفظه الله هو المكانة التي أصبحت تحتلها المرأة المغربية في مختلف مناحي الحياة الوطنية، وهي مكانة شهدت منذ اعتلاء جلالته العرش تحولا ومنعطفا تاريخيا، على جميع المستويات، ويحق للمرأة المغربية، بل لبلادنا اليوم أن تفخر وتعتز بهذه الرعاية الملكية السامية للمرأة المغربية ولأحوالها.
هذا، ويخلد الشعب المغربي قاطبة بكل مشاعر الفخر والاعتزاز، اليوم الجمعة، الذكرى السابعة والستين لعيد الاستقلال، الذي يشكل حدثا تاريخيا مجيدا، وملحمة كبرى تجسد انتصار إرادة العرش والشعب والتحامهما الوثيق دفاعا عن المقدسات الدينية والوطنية ببلادنا، كما يعتبر مناسبة لتجديد التذكير بتلاحمهما نحو تحقيق التقدم والازدهار.
ونشير في الأخير، إلى أنه وبهذه المناسبة احتفى محرك البحث العالمي “غوغل” مع الشعب المغربي بالذكرى السابعة والستين لاستقلال المغرب، التي تصادف 18 نونبر من كل سنة، من خلال تغيير شعاره الخاص بالنطاق المغربي.
وزين “جوجل” صفحته بالعلم الوطني المغربي، وعند الضغط على الصورة يتم الاطلاع على آلاف العناوين الالكترونية وروابط الأخبار بلغات مختلفة التي تعرف بتاريخ المغرب، وخاصة ذكرى عيد الاستقلال.