شهد العالم العربي والإسلامي -على مر عصوره الذهبية أو حتى فترات الانحسار والأفول- عددا كبيرا من الرحلات الاستكشافية الاستشراقية التي كانت تأتي بهدف الدراسة أو التبشير أحيانا، أو مصحوبة بحملات عسكرية بغرض الاحتلال أحيانا أخرى. وفي جميع الأحوال كانت تلك المنطقة المعروفة بالشرق الأوسط أو العالم الإسلامي محط انتباه دول غربية عدة.
وكذلك كان الدين الإسلامي -بوصفه المُشكّل الأكبر لثقافة وعادات سكان تلك المنطقة- محطّ دراسة الكثير من المستشرقين المفكرين والفلاسفة وغيرهم؛ فقد دأب رسامون عدة على تسجيل الطقوس الدينية والأجواء الرمضانية -وحتى الأعياد- في لوحاتهم التي كانت تعتبر بمثابة إنستغرام العصور الوسطى.
هلال الشهر الفضيل
على سبيل المثال لا الحصر، سجّل الرسام الفرنسي جان ليون جيروم -الذي يعد أحد أبرز المستشرقين الذين أتوا إلى العالم الإسلامي ونقلوا حياة العرب والمسلمين خلال القرن الـ19- الكثير من الأجواء الرمضانية التي عاشها العرب والمسلمون في مواسم العبادات. ولا تزال لوحته “الصلاة فوق السطح في القاهرة” -التي رسمها عام 1856- واحدة من أبرز اللوحات الاستشراقية المشهورة حتى اليوم.
ويقف فيها إمام يصلي بالناس صلاة غير الفريضة؛ حيث نرى كل رجل من المصلين يؤدي حركة مختلفة. كذلك يظهر هلال الشهر الهجري واضحا في سماء اللوحة، كما يظهر أيضا رجلان يؤذنان للصلاة على قمة المئذنتين الواضحتين في الخلفية، والأجواء التي يصنعها الظل والنور تُظهر أنها صلاة المغرب، حيث السماء بين لونين غروب الشمس وبدايات الظلام.
نرى أيضا لوحة “وقت الصلاة” المرسومة عام 1923 للمستشرق النمساوي لودفيغ دوتيش (1858-1935)، الذي تردد على مصر كثيرا في أواخر القرن الـ18 (تقريبا سنة 1880)، وقد تأثر كثيرا بالأسلوب الأكاديمي لأستاذه جون ليون جيروم. وتعد اللوحة نفسها خير مثال على أسلوب الفنان الناضج واستخدامه اللافت للون، وهو نفس الأسلوب الذي تميزت به أعمال جيروم.
صروح معمارية لأهداف روحية
ركّز جيروم في لوحته على الديكورات الداخلية للمساجد، وثياب المصلين أثناء أداء الفريضة، وهو الأمر الذي ركّز عليه أيضا المستشرقون؛ وذلك لأسباب علمية وفلسفية. وقد أتى في كتاب “الاستشراق التاريخ والنظرية والفنون” لجي إم ماكنزي أن السبب العملي الأساسي هو أن بعض الصروح المعمارية الأكثر استثنائية في الشرق كانت مبانٍ غير علمانية.
المصدر : الجزيرة