تنشغل المغربيات بائعات الحلويات بطلبات الزبائن المرتبطة بمناسبة عاشوراء، فمع دخول العام الهجري الجديد، تبدأ في صنع حلويات صغيرة الحجم يسميها المغاربة “قريشلات عاشورا” أو “الكعيكعات” أو الفقيقصات” حسب كل منطقة، وهي جزء من طبق “الفاكية” المعروف في هذه المناسبة.
عاشوراء مرتبطة بطقوس وعادات مختلفة في المغرب، أهمها طبق الفاكية وهو خليط من حلوى القريشلات والفواكه الجافة. مشيرة إلى أن طريقة إعداد هذه الحلوى سهلة ومقاديرها اقتصادية، تعدها النساء في البيت أو يلجأن للحلوانيات أو يشترينها جاهزة من الأسواق.
وصفات الجدات
والقريشلات أنواع عديدة منها المالح والحلو، وتختلف المقادير بالتالي حسب الرغبة وما تشتهيه سيدة البيت، غير أن العديد من النساء يفضلن تحضير القريشلات “البلديين” أي التقليدية مشيا على وصفات الجدات.
وتتكون القريشلات التقليدية من المقادير التالية: دقيق، بيضتان، كأس سكر سنيدة، كأس زيت، كأس حليب، كأس ماء الزهر، زبدة، ينسون، سمسم، خميرة، ملح.
يتم خلط العناصر مع بعضها إلى أن تصبح عجينا، ثم تصنع منه كريات صغيرة، يتم فرد كل واحدة على طاولة العمل ثم تقطيعها إلى قطع مربعة صغيرة وطهيها في الفرن.
بعد نضج القريشلات، تخرج من الفرن، تترك قليلا لتبرد، ثم تخلط مع الفواكه الجافة حسب الرغبة، تقول عائشة إن الأسواق تعرض أنواعا مختلفة من الفواكه المجففة والحلويات والشوكولاتة لخلطها مع القريشلات لتحضير طبق الفاكية.
حلوى عمرها قرون
يقول المهتمون بالمطبخ المغربي إن القريشلات حلوى عمرها قرون، ويذكر كتاب “الاستقصا لأخبار دول المغرب الاقصى” هذه الحلوى بالاسم حين تناوله بداية نشوء الدولة السعدية ومواجهتها مع الوطاسيين قبل 600 سنة.
ويحكي المؤلف أن قائد منطقة آسفي تم استدراجه وقتله عبر دس السم له في حلوى القريشلات وجاء فيه “ولما أوقعوا وقعة آسفي أبرموا أمرهم مع ناصر أبي شتنوف وأظهروا له المحبة والموالاة، وطلبوا منه أن يظاهرهم على جهاد العدو، وأن يكونوا يدا واحدة وجندا عليه فأسعفهم، وقدموا مراكش فدخلوها مرة ثانية وأحسن إليهم، وبعد أيام خرجوا به للصيد فسموه في خبز صغير يسمى القريشلات فهلك للحين، وصفا للأشراف مراكش وأعمالها”.
نشاط تجاري
وتنشط الحركة التجارية في محلات العطارة والأسواق والمتاجر الكبرى مع بداية السنة الهجرية، إذ تتنافس في عرض الجديد في كل مرة لإغناء طبق الفاكية من فواكه جافة مملحة أو محلاة رغبة منها في جذب الزبائن.
يقول عامل في أحد محلات العطارة إن المحل يشهد إقبالا على الفواكه المجففة بأنواعها، لكنه لا يخفي أن الإقبال ليس مثل السنوات الماضية، محملا أزمة كورونا مسؤولية تضرر جيوب المواطنين، وبالتالي زهدهم في تطبيق العادات التي اعتادوا عليها كل سنة.
لا ترتبط طقوس عاشوراء الغذائية فقط بتحضير طبق الفاكية بل أيضا هناك أكلات أخرى، من بينها كسكس “الذيالة” أو “القديد”، إذ تحتفظ النساء بذيل الخروف في المبرد أو مقددا إلى يوم عاشوراء، فتجتمع العائلة على قصعة كسكس بالذيالة.
وتعرف هذه المناسبة تنظيم تجمعات نسائية تسمى “القديدة” تكون على شرف امرأة لم ترزق بأطفال، إذ تجمع نساء الحي أكبر عدد ممكن من قطع القديد ويطبخن الكسكس يوم عاشوراء ويجتمعن أملا في أن يكون من نصيبها مولود في العام الهجري الجديد.
احتفال رسمي وشعبي
تتنوع العادات المرتبطة بعاشوراء بعضها اندثر وبعضها لا يزال قائما خاصة في المدن الأصيلة، ويشير كتاب “معلمة المغرب” إلى أن الاحتفال بعاشوراء في المغرب كان يتم على مستويين رسمي وشعبي، لافتا إلى أن المرينيين كانوا من السباقين الذين اشتهروا بالاحتفال بعاشوراء خاصة في عهد أبي عنان واقتفى أثرهم في ذلك السعديون والعلويون.
وحسب المصدر نفسه، فقد جرت العادة خلال الاحتفال الرسمي بهذا اليوم أن يقوم السلاطين بالعناية بأبناء الضعفاء والمساكين بتوزيع الملابس الجديدة والألعاب عليهم.
ومن العادات المرتبطة بهذه المناسبة التي ذكرها المؤلف أنه بعد تناول طعام الغداء المشتمل على الكسكس والخضر والباقي من قديد أضحية العيد “الذيالة” تقوم الأم وبناتها أو بعض أقربائها بتجهيز القريشلات، وهي نوع من الحلويات الصلبة بحجم الفول ولها مذاق شهي.
وبعد صلاة العشاء وبحضور جميع أفراد الأسرة، وبعد أن تكون البنات والنساء قد نقشن أيديهن وأرجلهن بالحناء، والكبار والصغار قد ارتدوا أبهى ملابسهم، يتم خلط هذه الحلويات بأنواع الفواكه المجففة التي أحضرها الأب مثل اللوز والجوز والتمر والزبيب والحمص والتين ويسمى هذا الخليط الفاكية، فتبادر الجدة أو الأم بتوزيع الفاكية على الحاضرين، ودون إغفال الغائبين وذلك بواسطة قدح، حرصا على قسمة متساوية وتتم هذه العملية في بهجة وانشراح.
ولا يزال العديد من البيوت تحافظ على هذه العادات وتحرص على نقلها لأبنائها لإحياء هذه المناسبة، إلى جانب مظاهر أخرى تبدأ مع فاتح محرم ولا تنتهي إلا في العاشر منه.
المصدر : الجزيرة