إنفاق الأموال على التجارب مثل السفر، قد يمنحك السعادة أكثر من شراء عناصر مادية، كما أن التجارب والذكريات تجعل الناس أكثر سعادة لأنها تعزز العلاقات الاجتماعية وتشكل جزءا أكبر من هوية الفرد.
قد يصبح حضور حفل موسيقي أفضل من شراء تلفاز جديد، أو يكون شراء هدية مختارة بعناية لشخص نحبه أعظم من الانغماس في هوس الشراء بلا هدف.
تدفعنا هذه الفكرة إلى التساؤل هل يمكن للمال أن يشتري السعادة؟.. هناك العديد من العوامل التي تلعب دورا مهما منها القيم الثقافية، ومكان المعيشة، والاهتمامات، وكيفية إنفاق أموالك، والفكرة التي تدفع الشخص لإنفاق النقود.
على سبيل المثال إذا كنت تخشى اقتحام منزلك، فإن شراء نظام أمان منزلي أو باب مصفح، قد يقلل من مستوى الخوف، وبالتالي يعزز الرفاهية العاطفية والسعادة، لأن السعادة هنا ترتبط بالتجربة الذاتية مع الخوف.
بين المال والسعادة
يمكن القول إن الأشياء التي تجلب السعادة لها قيمة جوهرية، فهي ذات قيمة للشخص نفسه، ولكنها لا تمثل بالضرورة قيمة قياسية للسعادة بشكل عام.
على سبيل المثال قد يجد شخص ما متعة في رائحة اللافندر، وقد يجدها شخص آخر أقل جاذبية، ومن ثم لا يمكن شراء السعادة فعليا من المتجر، لكن عندما يستخدم المال بطرق معينة مثل شراء الأشياء التي تجلب السعادة، تصبح للمال قيمة جوهرية في الحياة.
لذلك إذا كانت رائحة اللافندر تجلب السعادة لشخص ما، يمكنه شراء اللافندر والاحتفاظ به في منزله أو مكتبه، ما يزيد من سعادته، ويجعله يستخدم المال لجلب السعادة بشكل غير مباشر.
شراء الوقت
عندما ننفق المال لتوفير الوقت فإننا نشعر بالسعادة، لأن الوقت مورد محدود بمجرد أن يذهب لا يعود. ويرغب الكثيرون في الراحة أو قضاء وقت مع العائلة والأصدقاء، أو حتى لمجرد الاسترخاء والاستمتاع بعدم فعل أي شيء على الإطلاق.
شراء الوقت هو مراجعة الأشياء التي نقوم بها وتستغرق وقتا، وتمنعنا من الاستمتاع وندفع مقابل ألا نفعلها، فعلى سبيل المثال بدلا من شراء ملابس جديدة يمكن استئجار شخص للمساعدة في تنظيف المنزل أو تنظيم الحديقة وتقليم الأشجار، وطلب المنتجات التي يمكن توصيلها بدلا من الذهاب للتسوق من المتاجر “السوبر ماركت”. اعلان
ويمكننا أن نبدأ بشيء بسيط يوفر لنا المزيد من الوقت، حتى لو مجرد نصف ساعة إضافية من الوقت، وهذا الوقت هو إضافة إلى جودة الحياة ورفاهيتها.
ولا يفضل أن ننشغل بفكرة أن نفعل كل شيء بأنفسنا فقط لتوفير المال. بدلا من ذلك نراجع أولوياتنا، ونكتشف ما الذي سنفعله إذا امتلكنا مزيدا من الوقت، وبعدها نقرر إذا كان الأمر يستحق تكلفة هذا الوقت أم لا.
شراء الخبرات وليس الأشياء
تكمن السعادة في محتوى التجارب اللحظية، فلا توجد مادة ذات قيمة جوهرية باستثناء ما تحمله من وعد بالسعادة.
وعلى مدى العقد الماضي أظهرت الدراسات النفسية أن التجارب تجلب للناس سعادة أكثر ديمومة مما تجلبه ممتلكاتهم. وقد نظر خبراء علم النفس على وجه التحديد إلى الترقب كمحرك للسعادة، وما إذا كانت فائدة إنفاق الأموال على تجربة ما تتراكم قبل إتمام الشراء، بالإضافة إلى ما بعد ذلك.
يقول علماء النفس إن الإجابة هي نعم، فعندما لا يمكننا العيش في لحظة فمن الأفضل أن نعيش في انتظار تجربة ما، وهو ما تقوم به التجارب مثل السفر والحفلات الموسيقية والأفلام وما إلى ذلك، لأن فائدة شراء أي شيء تبدأ بالفعل في التراكم قبل شرائه، بعكس انتظار تجربة وهو ما يثير المزيد من السعادة والإثارة أكثر من انتظار سلعة مادية. ويمكننا معرفة مقدار السعادة التي نشعر بها عند مقارنة مقدار الإثارة عند انتظار وجبة لذيذة في مطعم، مع انتظار رحلة برفقة الأصدقاء.
التجارب تجعل الناس أكثر سعادة لأنهم أقل عرضة لقياس قيمة تجاربهم من خلال مقارنتها بتجارب الآخرين، فالعديد من الناس غير متأكدين من رغباتهم المادية تماما، بقدر تأكدهم من رغبتهم في الاستمتاع بالتجربة، بالرغم من التناقض الذي يبدو في المنطق القائل إننا إذا دفعنا مقابل إجازة ستنتهي، بعكس شراء شيء ملموس مثل أريكة أو هاتف يبقى لوقت طويل.
يقول علماء النفس إننا كبشر نتمتع بقدرة على التكيف، حيث نتوقف عن تقدير الأشياء التي نراها باستمرار، خاصة بعد أن تتدهور ويمر عليها الزمن، بعكس التجارب والذكريات التي تزداد جمالا مع الوقت.
وحتى التجربة السيئة تصبح قصة جيدة بمرور الزمن، كما يؤكد علماء النفس أن ما يميز التجربة أنها أكثر إثارة للاهتمام، فنحن يمكننا تخيل احتمالات لا نهائية لما يمكن أن تكون عليه التجربة، أما مع المشتريات المادية فنحن نعرف تماما ما سنحصل عليه.