الفن الرابع
المسرحيون العرب يلتئمون مجددا على أرض المغرب، وهم منشغلون بحال ومآل الفن الرابع كتابة ونقدا وتنظيرا وممارسة على الركح، ضمن مسعى لمنح حياة مغايرة لأب الفنون لا تنفصم عن الواقع المعيش.
هذه اللمة في إطار النسخة ال 13 لمهرجان المسرح العربي بالدار البيضاء، يجد أحفاد توفيق الحكيم والطيب الصديقي وكل الرواد الذين صنعوا الفرجة والفرحة عبر الفن الرابع، أنفسهم في مواجهة أسئلة جديدة خلفتها الجائحة التي حلت ضيفا ثقيلا على الجميع بمن فيهم نساء ورجال المسرح.
وبهذا المعنى، فإن هذه النسخة من مهرجان المسرح العربي ليست حتما كسابقاتها، لأن مياها كثيرة جرت تحت جسر الفنون والحياة، وفرضت واقعا جديدا وأسئلة محيرة.
أولى هذه الأسئلة طرحها الفنان والمخرج العراقي الكبير جواد الأسدي في رسالة اليوم العربي للمسرح التي كتبها وألقاها خلال مهرجان المسرح العربي أمام كوكبة كبيرة من الكتاب والفنانين والمخرجين والممثلين العرب، والقائمين على الشأن الثقافي.
حين تساءل جواد الأسدي: “هل من أنشودة لأمل منشود؟ وهل سنة العام القادم سنة مسرح يضيء الدروب بجمهور يزهر ويحتشد ثانية أمام شباك التذاكر؟”، فقد كان يغوص بشكل أعمق في هموم وانشغالات أهل المسرح أملا في بلوغ وضع مغاير قوامه إنتاج فني ينتصر للحياة والحرية في مواجهة الدروب المغلقة.
هذه الأسئلة تغوص أيضا في هموم المسرح والخيبات التي يجرها وراءه، حتى لا تهوى شجرة المعرفة المسرحية وتسقط سقوطا مدويا، كما جاء على لسانه.
ثاني هذه الأسئلة أثارها نخبة من رواد المسرح المغربي الذين تم تكريمهم بالمناسبة، حيث شدد محمد بلهيسي على ضرورة إعادة صناعة الأدوات الفنية المسرحية بأسلوب جديد، بينما اقترح مصطفى الزعري إنشاء فرقة عربية عتيدة تنتج أعمال مسرحية كشكل من أشكال التعاون والتفاعل.
وضمن هذا التوجه أيضا اختار محمد التسولي بعث رسالة للشباب عاشق الركح بأن يختاروا الصدق سبيلا في كل ما يقومون، بينما شددت فاطمة الغالية الشرادي رائدة المسرح الحساني على ضرورة التسلح بالمعرفة الرفيعة والعشق في كل عمل يقوم به أهل الفن الرابع.
وإذا كان إسماعيل عبد الله الأمين العام للهيئة العربية للمسرح قد اعتبر أن ” المسرح هو فعل يومي يسحب معه إرثه الذي يشكله المبدعون “، فإن للكتاب والنقاد والجامعيين الذين حضروا بكثرة في هذه التظاهرة أسئلتهم العميقة التي تحاصر كل أهل المسرح، والمتعلقة أساسا بالتجديد المتواصل لوسائل الإنتاج الإبداعي حتى يكون الفن الرابع فعلا وسيلة للتنوير الثقافي والاجتماعي وتبليغ القيم النبيلة.
وفي خضم هذه الأسئلة التي تحاصر أهل المسرح، أسر الفنان والمخرج العراقي الكبير جواد الأسدي لقناة M24 التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الهيئة العربية للمسرح تقوم بتأسيس أرضية خصبة للمستقبل تغطي الحياة المسرحية وكذا النصوص، علاوة على إعادة تكوين عدد مهم من الفرق، مشيرا إلى أن الأمور تسير بخير وفي الاتجاه الصحيح.
واعتبر أن إقامة هذا المهرجان بالمغرب ” شيء كبير وجميل”، لافتا إلى أن المغاربة يستحقون كل التقدير والاحترام لأن المغرب ارض خصبة للفنون والمعرفة والجمال والفلسفة.
وفي مقلب آخر يتعلق بمدى وجود قواسم مشتركة تجمع أهل المسرح في مختلف الأقطار العربية، قال الكاتب والمخرج المسرحي والجامعي المغربي عبد المجيد شكير إن المسرح يعيش بإنكاراته ولا يمكن أن يكون إلا متعددا، وتساءل، ” هل ما نقوم به من فرجات ومن إنجازات هو مسرح أم لا، وما هي حدوده لدى هذا المتلقي أو ذاك ؟ “.
واستطرد قائلا ان المسرحيين لا يملكون متلقيا واحدا، بل لا يمتلكون خبرة جمالية واحدة، ” لذلك لا يسعفنا إلا أن يكون مسرحنا العربي إلا متعددا، وبهويات متوالدة، وباختلافات تفضي في النهاية إلى منجز كفيل بأن نسميه ذات يوم مسرحا عربيا بمواصفات معنية”.
هكذا إذن ، كما قال أحد المتدخلين، يكبر المسرح بأفكار المبدعين لأنه بكل بساطة نبض متواصل متوالد وفعل يومي.
وفي تفاصيل هذا المنجز المسرحي الحالي، هناك إسهامات كل منطقة جغرافية من الوطن العربي، حتى وإن كان المسرحيون لا يؤمنون أصلا بالحدود الجغرافية من خلال اختراق إبداعاتهم لها.
ومن ضمن ذلك هناك إسهامات المغرب الذي له تاريخ من النضج المسرحي منذ الطيب الصديقي وأحمد الطيب العلج، ينضاف لكل ذلك جيل مغربي جديد يكتب بمداد الفخر في مجال الفن الرابع، كما جاء على لسان سالم بن محمد المالك المدير العام (الإيسيسكو).