يشهد الدخول الجامعي لهذه السنة بدء تنزيل التنظيم البيداغوجي الجديد، وهو إصلاح يهدف إلى مراجعة الهندسة البيداغوجية للتعليم العالي بدءًا من المستويات الأولى من الإجازة حتى مرحلة الدكتوراه، بهدف جعل الجامعة المغربية قادرة على إنتاج المعرفة وتطوير مهارات الشباب ومواكبتهم للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة.
ويأتي هذا النموذج البيداغوجي الجديد، الذي سيطبق بالجامعات خلال الموسم الجامعي 2023-2024، في إطار التدابير المتخذة من أجل تحقيق أهداف الإصلاح البيداغوجي المحددة في القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، واستثمار توصيات النموذج التنموي الجديد.
كما يندرج هذا الإصلاح البيداغوجي في إطار تنزيل المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وهو المخطط الذي يهدف، وفق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، إلى إرساء نموذج جديد للجامعة المغربية.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكد مدير التعليم العالي والتنمية البيداغوجية بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، محمد الطاهري، أن الإصلاح البيداغوجي سيهم سلك الإجازة، ويستهدف أساسا المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح التي تستقبل أزيد من 80 في المائة من الطلبة.
هندسة بيداغوجية جديدة
صادق مجلس الحكومة، في 24 من يوليوز الماضي، على المرسوم رقم 2.23.668 بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.04.89 الصادر في 18 من ربيع الآخر 1425 (7 يونيو 2004) بتحديد اختصاص المؤسسات الجامعية وأسلاك الدراسات العليا، وكذا الشهادات الوطنية المطابقة، وتضمن العدد 7223 من الجريدة الرسمية تفاصيله التي تتعلق باختصاص المؤسسات الجامعية وأسلاك الدراسات العليا.
ومن بين أبرز ما تضمنه المرسوم بخصوص المخطط البيداغوجي الجامعي الجديد، الإبقاءُ على نظام الإجازة – الماستر – الدكتوراه (LMD)، وعلى مدد كل سلك، أي 3 سنوات لشهادة الإجازة، وسنتين للماستر، و3 سنوات للدكتوراه، وذلك بالمؤسسات ذات الولوج المفتوح.
وأفاد السيد الطاهري، بأنه سيتم إحداث مراكز للتميز داخل الكليات ذات الاستقطاب المفتوح، بهدف إعادة البريق لهذه المؤسسات، موضحا أن هذه المراكز ستكون بمثابة مدارس ومعاهد موضوعاتية داخل الكليات.
وسيستغرق التكوين في هذه المراكز ثلاث سنوات بعد شهادة الدروس الجامعية العامة أو ما يعادلها، أي أن مدة التكوين الإجمالية ستكون خمس سنوات بعد الباكالوريا.
ويتضمن النموذج البيداغوجي الجديد، وفق السيد الطاهري، مقتضيات تنظيمية تهم إرساء نظام الأرصدة القياسية من أجل إتاحة إمكانية إعادة التوجيه وتيسير الحركية الطلابية ومد الجسور بين التكوينات، كما ينص هذا النموذج على تنويع أنماط التدريس باعتماد التعلم عن بعد في بعض الوحدات، والتعلم بالتناوب، إلى جانب التعلم الحضوري.
وكان وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، قد أكد بهذا الخصوص، أن الوزارة انكبت على تطوير مضامين بيداغوجية رقمية تهم الوحدات المعرفية في مختلف الحقول، وإعداد منصات رقمية للتعليم عن بعد تشمل المواد الرقمية، ووحدات الكفايات الحياتية والذاتية، والمهارات اللغوية والثقافية .
كما سيتم وفق التنظيم البيداغوجي الجديد اعتماد ملحق للدبلوم كوثيقة مصاحبة للشهادة الجامعية توضح مسار تكوين كل طالب ومختلف الأنشطة والتداريب والإشهادات الموازية لتكوينه الجامعي، بما فيها الأنشطة البيداغوجية، والعلمية، والثقافية، والفنية، والرياضية، وباقي الأنشطة الموازية.
تجديد الوحدات والتكوينات
يؤكد السيد الطاهري أن الإصلاح البيداغوجي الجديد يتميز بعرض تكويني غني ومتنوع يشمل أزيد من 1000 مسار للتكوين، وهي مسارات مرتبطة بتحديات التنمية السوسيو – اقتصادية للبلاد، مضيفا أن أغلب هذه المسارات تم إعدادها في إطار تنسيق وثيق مع الشركاء السوسيو اقتصاديين.
ووفق المسؤول نفسه، فإن هذه المسارات تواكب الأوراش الكبرى للمغرب كالتغطية الاجتماعية، والاستراتيجية الطاقية، وتعزيز تنافسية المغرب في ميادين ذات أولوية كصناعة الطائرات والسيارات والرقمنة.
وبحسب مقتضيات النموذج البيداغوجي الجديد، سيتم توفير تكوينات للطلبة في سلك الإجازة من أجل تعزيز مهاراتهم اللغوية والرقمية والذاتية والحياتية، إذ سيصبح الحصول على شهادة “الإجازة” رهينا بالإشهاد في المستوى B1 باللغة الإنجليزية، والمستوى B2 في اللغة الفرنسية أو في لغة التدريس، بالإضافة إلى إشهاد في المهارات الرقمية.
أما فيما يهم سلك الدكتوراة، فمن بين بنود إصلاحه وفق النموذج البيداغوجي الجديد إدراج تكوينات إجبارية لاكتساب المهارات اللازمة، إضافة إلى ضرورة التكوينات الإشهادية في اللغات DALF و TOFEL، وتحديد آجال كل مراحل سلك الدكتوراه، مع إلزامية استجابة مواضيع البحث للأولويات التنموية الوطنية، وإلزامية رقمنة محتوى الأطروحات المناقشة.
وتهدف الوزارة المعنية بالقطاع إلى تكوين جيل جديد من طلبة الدكتوراه يتم انتقاؤهم من بين أفضل الكفاءات، إلى جانب هيكلة البحث العلمي في إطار معاهد وطنية للبحث الموضوعاتي.
تعزيز تنمية المهارات المزدوجة
سيشهد الموسم الجامعي 2023-2024 مُباشَرَةَ تعزيز المهارات الرقمية لدى الطلبة، إذ سيتم تعميم وحدات الرقمنة والذكاء الاصطناعي وإحداث مراكز مخصصة مفتوحة في وجه كافة الطلبة، وكذا إدراج وحدات تكوينية في المهارات المعرفية، لاسيما عبر منصات رقمية ودروس مصورة، قصد تعزيز الكفاءات الأفقية والمهارات الذاتية.
وقد أعطى وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، الانطلاقة الرسمية لمشروع “code 212″، في يونيو الماضي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، وتسعى الوزارة إلى تعميم هذه المراكز في جميع الجامعات الوطنية، بغية تمكين الطلبة من اكتساب مهارات رقمية بالموازاة مع تخصصاتهم تؤهلهم لمواكبة التحولات التي يعرفها سوق الشغل، في مجالات تهم لاسيما الترميز، والرقمنة والبيانات الضخمة والروبوتيك وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي.
وسيتم افتتاح 7 مراكز “code12″ خلال الموسم الجامعي 2023-2024 في الرباط، والدار البيضاء، ووجدة، وطنجة، ومراكش، وبني ملال، وفاس، وأكد السيد ميراوي أن الجهود منصبة على إشهاد أزيد من 100 ألف طالب في المجال الرقمي في أفق 2026 .
كما تم إطلاق تكوينات ” JobInTech ” الخاصة بالمجال الرقمي والتي تهم ألف طالب مع تسطير هدف الوصول إلى 15 ألف موهبة مكونة. وتهدف مبادرة “JobInTech” إلى تكوين الآلاف من الشباب ودمجهم في المهن الرقمية من أجل توفير الكفاءات المطلوبة في هذا المجال وسد الاحتياجات المتزايدة للمقاولات.
وأكد السيد ميراوي، خلال لقاء خصص لإطلاق هذه التكوينات، في يوليوز الماضي، أن مجال الرقمنة بما يتضمنه من علم البيانات والذكاء الاصطناعي أصبح مطلوبا في سوق الشغل.
وأوضح أنه بفضل هذه التكوينات في المجال الرقمي سيحصل الطلبة على شهادة بهذا الخصوص، مشددا على أنه أصبح من الضروري أن يتوفر الطالب طيلة مساره الدراسي على شهادات إضافية تعزز إمكانات ولوجه لسوق الشغل.