داخل أحد أسواق المواد الغذائية الحلال في ولاية فيرجينيا الأمريكية، تتبضع السيدة خديجة استعدادا لاستقبال شهر رمضان الفضيل، الذي ينطلق اليوم الخميس.
في العديد من المدن الأمريكية، وعلى غرار السيدة خديجة، يقبل المواطنون الأمريكيون الذين يعتنقون الديانة الإسلامية على اقتناء بعض المواد الغذائية التي لا تتوفر في باقي المحلات التجارية، في الغالب، من قبيل اللحوم المذبوحة على الطريقة الإسلامية.
السيدة خديجة، وهي في أواسط عقدها الرابع، تقطن بالعاصمة واشنطن، واعتادت القدوم إلى هذا الفضاء التجاري في ولاية فيرجينيا المجاورة للعاصمة الأمريكية، حيث تجد أصنافا من المنتجات الغذائية التي لا تقتنيها من باقي المحلات التجارية، انطلاقا من اللحوم بأنواعها، وباقي المواد الغذائية التي يرتبط استهلاكها عادة بالشهر الفضيل.
فبمناسبة قدوم شهر رمضان الأبرك، يكون الإقبال أكبر على بعض المواد الغذائية التي يعتاد المغاربة على الخصوص، والجاليات المسلمة عموما، على اقتنائها، مثل التمور والفواكه الجافة، وأيضا الورق المستخدم في إعداد “البريوات” المملحة والحلوة، إلى جانب عدد من المنتجات المشرقية التي تحظى بإقبال كبير من لدن الجاليات شرق الأوسطية، من الفلافل والكنافة وغيرها.
رغم بعد المسافة، أفضل القدوم إلى هذا المتجر مرتين في الشهر”، تقول السيدة خديجة في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، مبرزة أنها تقتني كافة المنتجات الحلال التي تفضلها على مدار السنة.
كما تحرص هذه السيدة، التي قدمت إلى الولايات المتحدة منذ حوالي ست سنوات وهي أم لطفلين، على اقتناء كافة المواد الغذائية لتحضير أطباق يفضلها أبناؤها خلال شهر رمضان الأبرك.
من الأعشاب الطرية والمجففة إلى التوابل، مرورا بأنواع الخبز والأرز والأجبان، واللحوم الحلال، تحفل رفوف وأروقة المتجر بباقة متنوعة من المواد الغذائية التي ترتبط بعادات مطابخ البلدان العربية، والتي يحرص أبناء الجاليات المسلمة على اقتنائها بهذه المناسبة الدينية.
في الرواق المجاور، يتفحص شاب منتجات في رفوف التوابل، وهو يجري مكالمة هاتفية عبر الفيديو يتناهى إلى الأسماع تأكيد السيدة التي تتحدث بلهجة مصرية على اقتناء منتج معين، لكونه الأفضل.
لا يتعلق الأمر بمجرد مواد غذائية يتم استهلاكها بشكل مناسباتي، كما تؤكد السيدة خديجة، بل ب”صلة وصل بأرض الوطن”، حيث تحاول قدر استطاعتها أن تحافظ على الأجواء والطقوس المميزة للشهر الفضيل، حتى يتمكن أبناؤها من الحفاظ على هويتهم المغربية والإسلامية، في أرض المهجر.
وتتابع بالقول إنها تحمل على عاتقها مسؤولية تشبث أبنائها بتعاليم الدين الإسلامي. فإلى جانب العبادات اليومية التي تداوم على أدائها في المنزل، تحرص كذلك على التوجه رفقة أبنائها وزوجها إلى مسجد قريب نسبيا من الحي الذي تقطن فيه، لتعزيز روابط الانتماء مع باقي الجاليات المسلمة، وإحياء أواصر المودة والتسامح التي تسود بين المسلمين.
وإلى جانب الشعائر التعبدية التي تميز الشهر الفضيل، يحرص المسلمون على تبادل الزيارات مع الأقارب والجيران والأصدقاء كلما سنحت الفرصة لذلك، تكريسا لمبادئ شهر المغفرة والرحمة.
تتابع السيدة خديجة جولتها داخل متجر الأطعمة الحلال، الذي يقع في حي “فولز تشيرتش” في ولاية فيرجينيا، ويوجد بالقرب منه عدد من المطاعم التي يرتادها أبناء الجاليات المسلمة. صلصة الطماطم المغربية حاضرة كذلك داخل أروقة المتجر، والتي يكثر استخدامها لإعداد أطباق تزين مائدة الإفطار، إلى جانب قطع السكر التي تستخدم لإعداد الشاي المغربي الأصيل.
تتراكم السلع داخل أروقة فضاء المتجر الصغير، الذي يختلف عن المتاجر الأمريكية التي تتسم عادة بشساعة مساحتها.
ويضم المتجر تشكيلة متنوعة من المنتجات التي يتم استخدامها في إعداد الوجبات والأطباق المميزة للبلدان العربية، لتأخذ الزائر إلى رحلة ثقافية متعددة الأعراق والانتماءات، قاسمها المشترك أسس الطبخ التي تربط المواطنين من أصول مسلمة بعادات وتقاليد الوطن الأم.
تسود أجواء أخوية بين الزبناء وأصحاب المحل التجاري، حيث تمتزج الأحاديث بكافة اللغات، لكن العربية بكافة لهجاتها تعد الأكثر هيمنة، وتحيل على انتماءات الزبائن. داخل الفضاء ذاته، تتشابه مكونات سلة المقتنيات بين الزبناء أحيانا، غير أن تنوع النكهات والأذواق يعكس خلفيات ثقافية شتى.
خلف منضدة المتجر، ينهمك شاب في ربيعه السادس عشر، بهمة، في تعبئة الأكياس البلاستيكية بمقتنيات الزبائن لتخفيف الازدحام الناجم عن طابور الانتظار. ويتجاذب أطراف الحديث مع أحد الزبائن الذي هنأه بقدوم الشهر الفضيل، ليرد عليه الشاب “مع هذا العدد الكبير للزبائن نحس فعلا أننا على أبواب شهر رمضان”.
في المتجر المجاور، الذي يمتلكه مواطن مغربي، ينتقل الزائر إلى عالم آخر، حيث يخيل للمرء أنه في أحد أسواق مدينة مغربية، ابتداء من واجهة المحل التي تتزين بالعلم المغربي، ولافتة مضاءة تحتفل بقدوم شهر رمضان الكريم. يتعزز هذا الشعور عند الولوج إلى داخل أروقة المحل، حيث الدارجة المغربية لغة التواصل بين الباعة والزبناء. يضم المتجر العديد من المنتجات المغربية التي تتنوع بين الأكسسوارات والأواني وغيرها من المستلزمات.
وبمناسبة الشهر الفضيل، يكثر الإقبال على العديد من قطع الديكور التي تحرص العديد من الأسر المسلمة على اقتنائها، لتنقل إلى الأجيال الصاعدة أجواء رمضانية قد تغيب أحيانا بفعل نمط العيش الغربي السائد. الفانوس المشرقي يصطف إلى جانب المبخرة الكهربائية التي تذكر بأجواء وعطور المنازل المغربية، خاصة خلال المناسبات والأعياد.
تملأ إحدى السيدات، وهي من أصول مصرية، سلة مقتنياتها بعدد من الفوانيس التي تشكل زينة ضرورية تدخل البهجة على النفوس احتفالا بمقدم الشهر الفضيل، وتؤكد أنها تجد متعة في تزيين منزلها بأكسسوارات تنال إعجاب أفراد البيت والزوار.
وغير بعيد عن هذا الرواق، توجد أشكال من الزينة الكهربائية على شكل أهلة ونجوم، تحظى بإقبال لدى الزبناء الذين يضيئون بيوتهم ببهجة مستوحاة من رموز الإسلام السمحة.
تختم السيدة خديجة جولتها داخل هذا المحل، حيث اقتنت بعض الأواني والأكسسوارات التي تزين بها مائدتها الرمضانية، متطلعة إلى إضفاء لمسات رمضانية يسعد بها أفراد أسرتها الصغيرة وضيوفها خلال الشهر الفضيل.