علاء البكري
خرج ابن بطوطة من مسقط رأسه طنجة، وهي المدينة الصغيرة ذات المجتمع الضيق، ومن ثقافة شيوخه الدينية والتراثية، إلى عالم أرحب، وبلدان مختلفة، ومجتمعات متعددة بتعدد ثقافاتها.
إن أكثر ما جاء به ابن بطوطة من عجائب وغرائب في تحفته كانت كرامات ومكاشفات بعض الأولياء والمتصوفة الزاهدين سواء ممن التقى بهم أثناء رحلته أو سمع عنهم من بعض الثقات، وفي علاقة بموضوع الكرامة والمكاشفة يروي ابن بطوطة قصة الإمام الصوفي العالم الزاهد الخاشع الورع “خليفة”، الذي رأى في منامه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى زيارته في المدينة المنورة. ولما أفاق من نومه لبّى نداء رسول الله وهيأ نفسه للسفر ثم قصد المسجد الكريم إلى أن وصل، فدخل من باب السلام، وحيا المسجد، وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلس مستنداً على بعض سواري المسجد، ووضع رأسه بين ركبتيه – وذلك يسمى عند المتصوفة بالترفيق –، فلما رفع رأسه من على ركبتيه وجد أربعة أرغفة، وآنية فيها لبن، وطبقا فيه تمر، فأكل هو وأصحابه وانصرف عائدا إلى الإسكندرية، ولم يحج تلك السنة.
وغير بعيد عن حكايات الكرامات والمكاشفات، يسرد ابن بطوطة مكاشفة من نوع آخر تماما، وهي قصة الولي الصالح أبي الحسن الشاذلي التي سمعها عن الشيخ ياقوت عن شيخه أبي العباس وهما من التقات. ويحكى أن أبا الحسن الشاذلي كان يحج كل سنة، ويسلك طريقه على صعيد مصر، ويجاور بمكة المكرمة شهر رجب وما بعده إلى انقضاء الحج، ويزور قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعود على الدرب الكبير إلى بلده. وفي أحد السنين، وهي آخر سنة خرج فيها إلى الحج، قال لخديمه: اصطحب فأسا وقفة وحنوطا، وما يجهز به الميت. فقال له الخديم: ولِمَ ذا يا سيدي؟ فقال له: في حميثرة سوف ترى – وحميثرة منطقة في صعيد مصر في صحراء عيذاب – وبها عين ماء زهاق، وهي كثيرة الضباع. فلما بلغا حميثرة اغتسل الشيخ أبو الحسن، وصلى ركعتين، وقبضه الله عز وجل في آخر سجدة من صلاته. يقول ابن بطوطة: مؤكدا على صحة القصة “وقد زرت قبر أبي الحسن الشاذلي وعليه لوحة مكتوب عليها اسمه ونسبه متصلا بالحسين بن علي رضي الله عنه”. وما يدعم حقيقة القصة هو أن ضريح أبي الحسن الشاذلي لا زال إلى يومنا هذا محجا ومزارا لمئات الآلاف من أهل صعيد مصر وغيرهم.
وفي حكاية أخرى، يروي ابن بطوطة كرامةً للشيخ أبو عبد الله بن خفيف، حيث إنه ذات مرة قصد جبل سيرنديب – الواقع اليوم بسريلانكا – ومعه نحو ثلاثين من الفقراء، فأصابتهم مجاعة في طريق الجبل حيث لا عمارة هناك، وضلوا الطريق وطلبوا من الشيخ أن يأذن لهم بالقبض على ببعض الفيلة الصغيرة من أجل أكلها، وهي في ذلك الموضع كثيرة جدا ولا تزال إلى يومنا هذا، فنهاهم الشيخ عن فعل ذلك، فغلب عليهم الجوع، فعصوا أمر الشيخ، وقبضوا على فيل صغير منها وذبحوه وأكلوا لحمه، لكن الشيخ امتنع عن أكله. فلما جن الليل وخلدوا إلى النوم، اجتمعت الفيلة من كل ناحية وهاجمتهم، فكانت تشم الرجل منهم وتقتله حتى قتلتهم جميعهم، وشمت الشيخ ولم تتعرض له، بل جاء إليه أحد الفيلة ولف عليه خرطومه، ورماه فوق ظهره، وأتى به موضعا فيه عمارة، فلما رآه أهل تلك العمارة ممتطيا ظهر الفيل الضخم، عجبوا من أمره واستقبلوه ليتعرفوا عليه. فلما اقترب منهم أمسكه الفيل بخرطومه ووضعه من على ظهره إلى الأرض. فهرع إليه الناس وذهبوا به إلى ملكهم، فأخبره بفعله، فسمح له الملك بالإقامة عندهم، فأقام عندهم أياماً ثم رحل.Zone contenant les pièces jointes