عقود من السياسات الفاشلة وحركات الإصلاح التي لم تعمل سوى على تجنب التعامل مع الأزمات، لا تزال تلاحق الاقتصاد الجزائري، حيث سجل الدينار انخفاضا جديدا الأسبوع الماضي، ويحذر الخبراء من مواجهة مزيد من المصاعب في المستقبل.
وفي تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye) البريطاني، قالت الكاتبة ياسمينة علوش إن تراجع قيمة العملة الجزائرية مستمر دون هوادة، فيوم الخميس الماضي تم تداول الدينار بسعر 158.76 مقابل اليورو، وأكثر من 200 دينار في السوق السوداء.
ولم تُفاجئ هذه الأخبار الكثير من الاقتصاديين الذين ظلوا يحذّرون من الوصول إلى هذه الحالة الخطرة للاقتصاد منذ 2014، وذلك عندما بدأت أسعار النفط العالمية بالانخفاض لأول مرة.
ومع تفشي فيروس كورونا هذا العام والانخفاض غير المسبوق في أسعار النفط التي وصلت إلى مستوى قياسي بلغ نحو 16 دولارا إلى 17 دولارا للبرميل في أبريل/نيسان الماضي، انتقلت المشكلات الاقتصادية في البلاد إلى مستوى جديد.
ودقّ رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد ناقوس الخطر لأول مرة في مارس/آذار المنصرم من خلال تسليط الضوء على “الأزمة متعددة الأبعاد” غير المسبوقة التي تواجهها البلاد التي يمثل النفط أكثر من 90% من عائداتها.
ونتيجة لذلك تودع الجزائر عام 2020 وهي تعاني انكماشا اقتصاديا بنسبة 5.5% حسب صندوق النقد الدولي الذي توقع أيضا أن يبلغ العجز المالي الجزائري 14.8% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2021.
الاحتياطيات المستنفدة
واستنزفت الجزائر احتياطياتها من العملات الأجنبية في الأعوام القليلة الماضية، حيث كافحت لتمويل العجز المتضخم، وبعد أن كانت احتياطيات العملات الأجنبية عام 2014 في حدود 200 مليار دولار، فإنه من المتوقع أن يبلغ هذا الرقم 44 مليار دولار بحلول العام الجديد.
ومع نفاد احتياطياتها اضطرت الحكومة إلى خفض قيمة العملة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم وسط تقشف متصاعد، في الوقت الذي تحاول فيه موازنة الحسابات العامة.
وساعد إعلان استئناف الرحلات الداخلية اعتبارا من 5 ديسمبر/كانون الأول الحالي في إثارة التراجع الدرامي للدينار مقابل اليورو في السوق السوداء. اعلان
من جهة أخرى، توقع تجار العملات الأجنبية أن يبلغ سعر صرف اليورو أكثر من 250 دينارا بمجرد إعادة فتح الحدود الجزائرية وعودة الأنشطة التجارية إلى طبيعتها، مع احتمال أن تنظم السوق السوداء الأسعار وفقا لزيادة الطلب ومحدودية العرض.
كما تمثل زيادة الهجرة غير الشرعية من الجزائر سببا آخر لهذا الارتفاع، مع تزايد أعداد الشباب الجزائريين الذين يتجهون إلى السوق السوداء لمعاملاتهم المالية من أجل تمويل محاولات الهجرة إلى أوروبا.
عوامل الانهيار
على الرغم من توقع أن تنضب احتياطيات النفط والغاز في الجزائر بحلول 2050، فقد فشلت البلاد مرارا وتكرارا في تنويع مصادر العائدات بعيدا عن النفط.
ونقلت الكاتبة عن داليا غانم، الباحثة المقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أن “صانعي السياسة يتجاهلون ببساطة الإشارات ويعتقدون أن تحسين وضع السوق سينقذهم، مما يعني ارتفاع أسعار النفط، ولقد تم تحذيرهم منذ أعوام للتحرك ومناقشة مسألة التنويع بجدية، لكنهم بدلا من ذلك، لم يفعلوا أي شيء واستمروا في المماطلة”.
في المقابل يقول ريكاردو فابياني، محلل الاقتصاد السياسي في مجموعة الأزمات الدولية، إن اعتماد الجزائر المفرط على احتياطياتها من النفط والغاز كان السبب الجذري لمشكلاتها الاقتصادية.
ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في انهيار الاقتصاد الحر القيود المفروضة على القطاع الخاص، وسوء الإدارة الذي لم يتم التعامل معه، والمشكلات الهيكلية، وسيطرة الجيش على الأعمال.
وأدى انخفاض الإيرادات إلى إجبار الدولة على وقف المشروعات الوطنية، وخفض الإنفاق على الخدمات العامة بنسبة 50%، مما يهدد بغضب السكان الذين طالبوا باستمرار بوضع حد للفساد المستشري الذي استفاد منه قادة البلاد لكنه تركهم في أزمة خانقة.
المصالح المكتسبة
وظل المسؤولون يتجادلون منذ أعوام بشأن كيفية إحداث إصلاحات اقتصادية كبيرة، لكن دون نتائج ملموسة، وحسب فابياني، فإن “الإصلاحات الاقتصادية لتحرير الاقتصاد أو تعزيز الصناعة التحويلية المحلية أو فتح البلاد أمام السياحة (التي ستحقق فوائد على المدى البعيد من خلال خلق فرص العمل وتوليد الاحتياطيات الأجنبية)، لم تنفذ بعد”.
وبسبب تجربتها السلبية في الاقتراض من صندوق النقد الدولي في التسعينيات رفضت الدولة باستمرار أي حل لأزماتها الاقتصادية قد يؤدي إلى إثقال كاهلها بالديون الخارجية، أو إجبارها على إعادة هيكلة مليارات الدولارات في شكل قروض خارجية.
ووفقا للمراقبين، فإن أحد الخيارات القليلة المتبقية للدولة هو محاولة تأخير استنفاد احتياطياتها من النفط عن طريق تقليل الإنتاج، وخفض الدعم على الهيدروكربونات، والاستثمار بشكل أفضل في القطاع الخاص من أجل تشجيع رواد الأعمال وجذب المستثمرين الخارجيين.
مصاعب مستقبلية
ومقارنة بجيرانها تأخر الاستثمار الأجنبي في الجزائر كثيرا، ويشير فابياني إلى أن “الحكومة تحتاج إلى إقامة منتدى حوار مع الفاعلين الاقتصاديين الرئيسيين في البلاد، من رواد الأعمال والنقابات العمالية وجماعات المجتمع المدني والطلاب، وسيمكن هذا الحوار جميع هذه الجهات الفاعلة من وضع إستراتيجية إصلاح واقعية من شأنها إدخال إصلاحات مطلوبة بشدة لإنعاش الاقتصاد”.
وبالنسبة لصانعي القرار العاملين في الخفاء في البلاد، فإن أي تغيير يتسبب في فقدانهم لمزاياهم المالية يعد من المحظورات.
ووفقا للكاتبة داليا غانم، فإن المهمة التي تنتظر البلاد، المتمثلة في معالجة الوضع الاقتصادي وتجنب مزيد من الانهيار للدينار، ستكون صعبة.
المصدر : ميدل إيست آي