رهاب أول دخول مدرسي
بقلم بشرى شاكر
قبل أيام، بدأ الموسم الدراسي الجديد وبدأت معه كل الميزات التي ترافقه والحيوية التي نرقبها عند مداخل المدارس والكليات ولكن بنفس الوقت هناك أمور نفسية قد تبدو خفية أو تتغلف بمظاهر أخرى ترافق عموما اليوم الدراسي الأول وهنا سوف نتحدث عن فوبيا المدرسة أو رهاب اليوم الدراسي الأول وخاصة لدى الطفل الذي يلج عالم المدرسة لأول مرة…
بعد المرحلة العمرية الأولى والتي يكون فيها الطفل لصيقا بأمه وبمحيطه الأسري عموما وانطلاقا من مرحلة المرآة حيث تكون الأم بالنسبة له كل شيء ويكون وإياها ثنائيا مهما ويستمر ذلك إلى غاية السنة الثالثة والتي قد نعتبرها نهاية مرحلة الطفولة الأولى، بعدها تحتاج الأم عادة إلى وضع ابنها في روضة للأطفال خاصة الأمهات العاملات، فينتقل آنذاك هذا الطفل الصغير من محيط اعتاد عليه إلى محيط جديد لا يستطيع فهم دوره فيه أو حدود مسؤوليته في هذا الوسط الحديث…
ومن البديهي أن يشعر هذا الطفل بتخوف من محيط جديد يعتبره مجهولا بالنسبة له خاصة وانه يقابل فيه وجها غير وجه أمه ورفاقا جدد، فيحس بالخوف ويلتصق بأمه حينما تودعه الروض رغبة منه في أن تصطحبه معها، ولعل انجح وسيلة لتحببه في الروضة وجعله يتأقلم مع مجتمعه الخارجي أيضا تكمن في الطريقة التي يتم التعامل معه فيها، بحيث لا يجب أن يكون هناك تغيير جذري بين بيئته الأسرية وبين محيطه الجديد، فهو ما زال طفلا صغيرا وبحاجة للعب مثلا، ووجود ألعاب بالمدرسة قد يخفف من حدة توتره وخوفه وتشجيع المدرسة والمربية على اللعب الجماعي يجعل الطفل يتأقلم مع رفاقه ومحيطه ويندمج معهم بامتياز، كما يمكن للمربية أو المربي أن يلجئا لنشاطات تربوية تشجع الطفل على الاندماج وتبعد عنه الخوف مثل تشكيل فرقة مسرحية وسرد حكايات للأطفال بشكل جماعي بحيث يلتف الأطفال والمربي على شكل حلقة أو دائرة، حتى يمكنهم رؤية تعابير وجه بعضهم البعض، مع ابتعاد هاته الحكايات ما أمكن عن الرواية الخيالية البعيدة عن الواقع تماما، مثل حكاية الغول والأقزام وغيرها، فليس كل طفل يمكنه أن يفرق بين الواقع والخيال حينما يتجاوز مرحلة الطفولة المبكرة إلى النزوح نحو المراهقة فكم من طفل كبر وما زال يرى أحلاما مزعجة بسبب حكايات قديمة رويت له…
فوبيا المدرسة أو رهاب المدرسة ربما يكون اقل حدة في سن الروضة أي سن الثالثة والرابعة ومع إتباع التعليمات السابقة فان الطفل يتأقلم بسرعة مع محيطه الجديد، ولكن يتبين إحصائيا أنها تظهر أكثر عند المتمدرسين الجدد، أي في سن السادسة حينما يلج الطفل المدرسة التعليمية لأول مرة وهنا يكون الوضع اشد صعوبة فغالبا ما يؤدي الخوف أو الفوبيا من الشيء إلى الهروب منه، مثل الأشخاص الذين يعانون مثلا فوبيا طلوع المصعد فهم يفضلون السلم حتى وإن علت البنايات وبنفس الشكل فإن رهاب المدرسة قد يؤدي بالطفل للنفور منها أو الهرب منها سواء بعلم الوالدين أو بدون علمهما وفي حالة كونه لا يستطيع الفرار منها فانه يبقى فيها ولكن يصطنع كل أنواع المشاكل التي تمكنه من أن يطرد من الفصل مثلا…
الخوف هو انفعال هروبي وفوبيا المدرسة هو نوع من الخوف الذي ينتج رغبة الفرار منها وأحيانا لا يتمكن الطفل أو التلميذ من إشباع رغبته في الهروب، فتظهر عليه علامات يمكن للأهل وللمدرسين أن يفهموا أنها نتيجة خوفه من المدرسة، مثلا قضم الأظافر التي تنتشر بين الأطفال، الحركة الزائدة، الاضطرابات اللغوية، الشعور بالوهن والتعب صباحا، الإسهال المستمر دون سبب عضوي، كل هذه الأعراض إن كانت تنتهي في فترات الإجازات والعطل فمعنى ذلك أن الطفل كان يعاني رهاب المدرسة بالتأكيد…
وعليه وجب أن يلجأ أولياء الأمور إلى معالجة الوضع قبل أن يتفاقم، ويؤدي فيما بعد إلى ضعف في التحصيل الدراسي وقلق مستمر من الامتحان وعدم أداء الطفل لواجباته الدراسية سواء بالبيت أو المدرسة وأحيانا يتغير الطفل المستكين داخل المدرسة إلى متجبر متسلط في بيته، يضرب ويكسر ويفرض آراءه وكأنه يعوض النقص الذي يحس به داخل فصله الدراسي…
إن احد أسباب فوبيا المدرسة هو ما يسمعه الطفل مسبقا، سواء داخل أسرته أو من أقربائه عن معلم قاس يضرب التلاميذ وعن مدرسة تعاقبهم وعن دروس معقدة، وبديهي أن طفلا ينتظر أول يوم دراسي له سينظر للمدرسة وكأنها شبح أو غول ينتظر التهامه… لذلك فعلى الآباء أن يحببوا المدرسة للطفل استعدادا لولوجه لها بالحديث عنها وعن أهميتها وحبذا لو استطاعوا إحضار قريب صغير يدرس للحديث عن فوائدها أمام الطفل فيمثل له شاهد عيان من سنه، -على ألا يلزم هذا الطفل على سرد حكاية لقنت له ولكنه يروي بشكل تلقائي-، وعليهم أيضا أن يبتعدوا عن الحديث بالسوء عن أي معلم أو مدرسة في حضور أبنائهم وخاصة الصغار…
أما الحمل الأكبر فيبقى على عاتق المربين، إذ أن مدرسا بشوشا ودودا لا يمكن بالتأكيد أن ينفر منه تلميذ حديث العهد بالمدرسة ولكن بالمقابل، بوجه عبوس وتعامل عنيف فلا يمكن لأي كان أن يتقبل تغيير محيطه بمكان مخيف ومرعب مثلما كان يصوره له من يقابله…
فليكن اليوم الأول بالمدرسة يوم تعارف بين التلاميذ والمدرس ومن الأفضل عدم الحديث عن أي نشاط دراسي وإن كان البرنامج السنوي، فيمكن إرجاء ذلك إلى اليوم الثاني وبدء الدراسة تدريجيا دون أن يحس التلميذ الصغير انه مثل النملة التي تحمل ضعف وزنها لتصعد به الجبل…
كما انه يمكن مساعدة التلميذ على الاندماج في مجتمعه وتشجيعه على مبدأ الحوار بأن يلجأ المربي إلى نشاطات موازية للدراسة مثل الألعاب الثقافية والترفيهية التي تساعد على إدماج الطفل في عالمه الجديد وتأسس للغة الحوار بينه وبين أصدقائه وبينه وبين المربي، كما أن هاته الوسائل غير التقليدية تجعل الطفل والمدرس يخرجان معا، من حالة الضجر والسأم الذي قد يسببها روتين المدرسة الاعتيادي وبذلك يستطيع المربي أن يكون أكثر عطاء ويزداد انتباه الطفل للشرح، بعد أن يفرغ شحنته الطفولية في أمور تعليمية وترفيهية في نفس الوقت، فهي وسيلة تنمي مهارات الطفل وتحسن مستوى تفكيره كما أنها بداية تنمية العلاقات الاجتماعية، بحيث يحس الطفل أنه قريب من محيطه وانه مكون فعال بداخله وليس مجرد دخيل عليه.
فوبيا اليوم الدراسي الأول قد تكون دورية، فهي لا تتعلق بالضرورة بالتلميذ الذي يدخل المدرسة لأول مرة، فقد تتكرر مع بداية كل سنة دراسية مع تلميذ قديم وإن كانت بدرجة اقل كثيرا، وقد نسميها تخوفا ولا تصل حد الفوبيا، ولكن لا يجب تجاهل الأمر، لان هنا يعني ذلك أن التلميذ رغم سنوات دراسية طويلة لم يستطع بعد تجاوز تخوفه وأن هناك شيء ما يجعله ينفر ضمنيا من المدرسة…
وأفضل نصيحة سواء للآباء أو للمدرسين هو استعمال اللين والرفق في التعامل مع التلميذ الجديد حتى لا يعاني من رهاب المدرسة بشكل يصبح مرضيا ومزمنا يرافقه طيلة سنوات عمره ويؤدي إلى هروبه من فوبيا المدرسة إلى فوبيا المجتمع ككل…
موسم دراسي موفق نتمناه لجميع التلاميذ والطلبة ولأساتذتهم أيضا