لم تكن سعاد (14 سنة) تريد أكثر من 250 درهما مغربيا (أقل من 25 دولارا) ثمنا لسجادة صوفية أبدعتها أناملها الصغيرة في أوقات الفراغ، وهدفها أن تشتري معطفا للشتاء.
استجمعت سعاد، وهي تلميذة يتيمة من جبال آيت بوكماز (ضواحي أزيلال بالمغرب) قواها واقترحت السعر على زوارها، في ظل سخرية صويحباتها واعتقادهن أن سعر سجادتها لن يبلغ هذا الثمن، لكن مزادا عبر منصة إنستغرام سيضاعف سعر سجادة سعاد (130 سم × 90 سم) 80 مرة، ليبلغ ألفي دولار، وتصير أغلى سجادة من نوعها والأكثر شهرة.
كان من أطلق المزاد هو المشرف على تطبيق يحمل اسم “يتيمي” لرعاية الأيتام، حيث يسهم التطبيق أيضا في إيواء سعاد ونحو 40 طالبة في المرحلتين الإعدادية والثانوية.
ما هو “يتيمي”؟
“يتيمي” تطبيق إلكتروني كان قد أطلقه الناشط في مجال التطوع جلال اعويطة منذ نحو سنة، وهو موجه لكفالة الأيتام ورعايتهم. ويوفر التطبيق منصة للكافل لمتابعة مَن يكفل مِن الأيتام بشكل يومي، بعد عملية التخيير التي تعطي الكافل نبذة مختصرة عن اليتيم مع كل معلوماته الشخصية.
ويعمل التطبيق على تمكين الكفّل من متابعة كل ما يتعلق بحياة مكفوليهم من حيث الدراسة، والرياضة، والصحة، والتربية، والهوايات وغيرها.
ويوفر التطبيق فضاء للتعليق والإرشاد بهدف الدعم التربوي والنفسي والمعنوي لليتيم إلى جانب الدعم المادي، ويرسل للكافل إشعارات الإسهام المادي بشكل دوري، وإشعارات عن الأيتام المكفولين.
كما يتيح التطبيق إمكانية أداء الإسهامات الشهرية والسنوية بالبطاقات الإلكترونية بسهولة، مع إمكانية تصفح أرشيفها، إضافة إلى إشعارات تتعلق بالتذكير بفوات مواعيد الإسهام عند حدوث تأخر من الكافل. ويحدد التطبيق قيمة الكفالة بمبلغ 700 درهم شهريا عن كل يتيم.
مشروعات للرعاية
وتقطن سعاد صاحبة سجادة المزاد في واحد من مركزي إيواء استطاع توفيره المشرفون على مبادرة التطبيق بالتعاون مع جمعية محلية.
ويسهم المشرفون على تطبيق “يتيمي” في توفير مشروعات للأيتام والأمهات الأرامل. ويوضح جلال اعويطة -للجزيرة نت- أن التطبيق وفّر خلال مدة الحجر الصحي منحة قدرها نحو مليون ونصف المليون درهم (150 ألف دولار) لمصلحة معيلات أسر أرامل توقفن عن العمل بسبب الحجر خصوصا خادمات البيوت.
ويموّل التطبيق دارا للأيتام بإنزكان (مأوى خيري)، ومركزين لإيواء التلميذات بالشراكة مع جمعية “سمنيد” لتمكين الفتيات من متابعة الدراسة في سلك الإعدادي والثانوي.
وحسب اعويطة فإن تلميذات مركزي الإيواء متفوقات في دراستهن ومجدّات، حيث يوفر لهن المركزان القرب من المدرسة واللوازم الضرورية التي يحتجنها من مأكل وملبس وكتب ووسائل للترفيه. ويقطن بالمركزين نحو 44 تلميذة كلهن بنات الجبل، وهن إما يتيمات أم أو أب أو يتيمات أم وأب معا، وكلهن من سكان القرى الجبلية البعيدة التي تسبب عزلتها وقساوة العيش فيها التسرب المدرسي. كما استطاع التطبيق توفير أضحية العيد لأسر المكفولين وأنشطة مدرّة للدخل وغيرها.
جذوة إبداع وتطوع
فوجئت سعاد كثيرا بمزاد سجادتها الأمازيغية الصغيرة وفرحت كثيرا، وتوقّدت إرادة وعزما لمزيد من الاجتهاد والإبداع. فرحة سعاد حفزت طالبة الطب أسماء عصام (23 عاما) على الانضمام لفريق الكفّل.
تقول أسماء للجزيرة نت “كنت أتابع نجاح تطبيق يتيمي على وسائل التواصل الاجتماعي، وحين شاهدت مزاد بيع زربية (سجادة يدوية) سعاد، أضاءت بداخلي جذوة التطوع وقررت تحميل التطبيق والمشاركة مع زميلاتي في كفالة يتيم”.
وتؤكد أسماء أن نجاح التطبيق بسبب أهدافه النبيلة وأثره في واقع المكفولين، مشيرة إلى أن الثقة في الأفراد المشرفين على التطبيق وفي نتائجه هي ميثاق أخلاقي يضمن استمرار الكفالة.
ويرى جلال اعويطة أن الوقت حان للتفكير في مشروعات صغيرة مدرّة للدخل لمصلحة المكفولين، وأن التطبيق يعد بالجديد وبمزيد من التطور، وبإمكانه توفير فرص عمل.
كما يوفر التطبيق منحة دراسية تُعطى للنوابغ من الأيتام الذين جاوزوا سن 18 سنة لإكمال دراستهم في أعلى المدارس الوطنية والدولية بما يُناسب نبوغهم وطموحهم.
ويتيح المجال أيضا لأسر الأيتام، خصوصا الأرامل، لعرض مشروعاتهم الإبداعية الربحية بقصد تمويلها، مع إمكانية المتابعة والتطوير، في سبيل إيجاد أسر مستغنية بذاتها وقوية بدخلها، إضافة إلى بنك الملابس وبنك الأدوات المدرسية، وتشجيع الطاقات المتميزة من الأيتام رياضيا وفنيا وثقافيا وفكريا بالدعم المادي والمساندة المعنوية.
المصدر : الجزيرة