ارتبط الكعب العالي عبر السنين بالنساء. اعتبر واحداً من أهم وأبرز علامات ودلالات الأنوثة. كما عدّه البعض أحد سبل قياس اهتمام المرأة بأناقتها.
مؤخراً، بدأت هذه النظرة النمطية للجمال تتغير. لم يعد الكعب العالي من علامات الأنوثة. هذا التغير الجذري في عالم الموضة، تجلّى خلال السنوات الماضية، في أكثر من مناسبة.
عارضات الأزياء يبتعدن عن الكعب
بدأت النظرة إلى ارتداء الكعب العالي تتغير. أصبح مرتبطاً بفكرة التمييز ضد المرأة وليس أناقتها. خصوصاً في ما يخص إلزام النساء بانتعال الكعب العالي في أماكن العمل، في كثير من الأماكن.
وانتشرت صور لعارضاتٍ مشهورات، مثل بيلا وجيجي حديد. وهن يرتدين أحذيةً رياضيةً مع الفساتين وملابس السهرة والجينز. وبدأ بعض مصصمي الأزياء بالاتجاه نحو عروض أزياء ترتدي فيها العارضات الأحذية الرياضية بدل الكعب.
قبل ذلك أيضاً، أثارت النجمة جوليا روبرتس الجدل بسبب “احتجاجها على سلطة الكعب التي تفرض على النساء”. فاحتجت على “القوانين الصارمة التي فرضتها إدارة مهرجان كان السينمائي”. إذ أجبرت النساء المشاركات في المهرجان بالكعب العالي، عام 2016.
فقامت نجمة هوليوود بالمشي والدخول إلى المهرجان حافية القدمين. حينها، انطلقت حملةً واسعة على السوشيال ميديا، ولجأت السيدات إلى نشر صور لأحذيتهن المسطحة. واستخدم هاشتاغ #FawcettFlatsFriday. في محاولة لإثبات أن النساء قادرات على أداء وظائفهن على أكمل وجه بارتداء أحذيةٍ مريحة.
الكعب العالي تاريخياً
أصبح الكعب العالي رمزاً للقوة الأنثوية مع الوقت. لكنه حقيقةً، في بداية ظهوره، لم يكن مخصصاً للنساء. بل كان للرجال الأرستقراطيين. هم وحدهم يلبسونه. إذ كان الغرض من الكعب إضفاء سمات القوة والرجولة.
الرجال إذاً هم أول من ارتدى الكعب، وتحديداً في بلد فارس. والنساء الوحيدات اللواتي سمح لهن بارتدائه لمئات السنين، كنّ من الطبقة الحاكمة.
في القرن الخامس عشر، انتعل الجنود والمحاربون الكعب العالي، لتثبيت أقدامهم على سرج الخيل.
الكعب في مصر القديمة
على جدران المعابد الفرعونية، رصد خبراء الآثار ظهوراً للنعال ذات الكعب العالي. إلا أنها لم تكن مقتصرةً على الرجال فقط. إنما ارتداها الملوك والنبلاء من الجنسين. وذلك لتمييزهم، ورفعهم عن الآخرين من عامة الشعب.
واشترك مع الفراعنة في ذلك، أفراد الطبقة النبيلة في العصور الرومانية القديمة. إلا أن تصميم النعال كان مختلفاً قليلاً. فكان الكعب مسطحاً ومستوياً، مع مجموعة من السيور التي تلتف حول الساق.
ماذا حدث في القرن الخامس عشر؟
أثناء هجرتهم إلى أوروبا، أدخل المهاجرون الفرس الأحذية ذات الكعب العالي. إلا أن ارتداءها كان مقتصراً حينها على الرجال الأرستقراطيين فقط. وذلك ليظهروا أكثر طولاً، وأكثر قوةً وترفاً.
لكن الملك لويس الرابع عشر، ملك فرنسا، قونن هذا الأمر في وقتٍ لاحق. فأصدر عام 1673 مرسوماً يحظر ارتداء الكعب العالي على العامة. وقضى بأنه مظهر يميز أعضاء بلاطه فقط.
في أواخر القرن الخامس عش وحتى القرن السابع عشر، انتقلت هذه الموضة إلى النساء، لكنها بقيت محصورةً بطبقة الأرستقراطيين. فبدأت النساء المتواجدات حول هؤلاء الرجال، بتقليدهم. بهدف أن يتمّ تمييزهنّ عن سائر الإناث من عامّة الشعب، من خلال الكعب العالي.
فارتدت النبيلات من سيدات الأسر الحاكمة الكعب العالي، أو الأحذية التي عرفت باسم الـ Chopine. لم يكن ارتفاع هذه الأحذية عادياً. إذ تجاوز النصف متر في بعض الحالات. وكانت النساء ترتديه بحثاً عن المزيد من الأناقة والفخامة والجمال. إلا أنهن لم تكن تظهرنه. بل كان يختفي تحت طبقات التنانينر التي كانت سائدة في تلك الحقبة. وبخلاف ذلك ظل الكعب العالي بعيداً عن النساء. وظل مظهراً يعبر عن رجال الطبقات الحاكمة فقط.
بعد الثورة الفرنسية
مع انطلاق الثورات في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، والتغيرات السياسية التي حصلت. بدأ الرجال ينغمسون في المعارك، وصارت الأحذية ذات الكعب العالي شيئاً لا يناسب تحركاتهم وحياتهم العملية. كما لم يعد الناس نوعان: الطبقة الحاكمة، والعامة. إذ سقطت المفاهيم التمييزية بين الأرستقراطيين وعامة الشعب. فبدأ الرجال يبتعدون عن الكعب، بينما اكتشفت فيه النساء طريقةً للتعبير عن الأنوثة بعيداً عن الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها.
في أوائل القرن التاسع عشر وحتى ثلاثينيات القرن العشرين، أصبح الكعب العالي رمزاً أنثوياً بامتياز. ورافقت انتشار ارتدائه، تركيز الإعلانات التجارية على ربط الأنوثة والأناقة بالكعب العالي. واستمر الأمر كذلك حتى الستينات. بدأت النساء بالابتعاد تدريجياً عن ارتداء الكعب العالي، خصوصاً بعد انتشار أفكار التيار النسوي، تراجع الاهتمام بالكعب تدريجياً. بل بات ينظر إليه، على أنه إحدى وسائل التمييز ضد المرأة، من خلال ربط الأناقة والأنوثة به.