تعد الأستاذة فاطمة حقيق من النساء الليبيات المرابطات في سبيل العلم والتعليم، حيث استطاعت كسر كافة الحواجز الواهية، التي أعاقت تقدم المرأة الليبية والعربية والإفريقية، محققة بذلك نجاحا باهرا، أثبتت من خلاله جدارتها وتفوقها، في مختلف الميادين، وعلى رأسها الميدان الفكري والثقافي، سيما بعد تأسيسها لدار نشر ومكتبة وسط العاصمة الليبية طرابلس، تعد من الأكبر والأشهر في ليبيا وإفريقيا.
ومن خلال الحوار الذي أجرته معها مجلة فرح، على هامش الندوة العلمية والفكرية حول موضوع “التنمية الثقافية الإفريقية..الجسور والتحديات في الثقافات العابرة للحدود” التي نظمت مؤخرا بكلميم، تحسسك الأستاذة فاطمة بأنها سيدة كانت وما زالت على وعي تام بمسؤوليتها الاجتماعية الفكرية الثقافية تجاه مجتمعها وتجاه أبناء وطنها، وهي المرأة التي ذرفت دموعا بمجرد أن رأت علم ليبيا يرفرف عاليا في سماء آسا الزاك ضواحي كلميم.
س: كيف تنظرين إلى واقع التنمية الثقافية في شمال إفريقيا؟ وماذا عن التنمية الثقافية في ليبيا الآن؟
ج: عندما نتحدث عن التنمية الثقافية في إفريقيا فإننا نتحدث عن وحدة الثقافات لكل البلدان التي تشملها هذه القارة. ولعل ليبيا بحكم موقعها وتاريخها داخل الرقعة الإفريقية، تمثل إضاءة مهمة في الثقافة الإفريقية، ففي ليبيا وتماشيا مع التنمية الثقافية للدول الإفريقية؛ فان الاهتمام بالثقافة وتنميتها يعتبر جهدا حيويا من جهود التنمية الشاملة، حيث نعمل على إثراء ثراتها الثقافي والتاريخي وتنوعه لتعزيز الهوية الوطنية وتحفيز النمو والتطور. ولعل أهم الجوانب الرئيسية في هذا الشأن، تتمثل في الحفاظ على الثرات، ودعم الصناعات التقليدية والإبداعية، والعمل على تنشيط الفعاليات والمهرجانات الثقافية، والتعليم والتوعية الثقافية من خلال ندوات مخصصة للشباب من أجل التعريف بالثقافات المختلفة.
ونحن كمثقفات وكاتبات من خلال روابطنا والرابطة الشاملة لكاتبات إفريقيا، علينا أن نتبنى رؤية نهضوية نلتزم من خلالها بقضايا الأمة الإفريقية سواء كانت ثقافية او اجتماعية، وبالتالي العمل على رقيها وتطورها انطلاقاً من فهم أنّ التطور لا يتناقض مع الثقافة والهوية، بل إنّ تطور مجتمعٍ بعينه، بفئاته جميعها، غير ممكنٍ إلا في ظروفه التاريخية، وفي سياق ثقافته، وبلغته، ومن خلال تفاعله مع الثقافات الأخرى .
ومن ثمّ، علينا أن نعمل من خلال مناشطنا الثقافية وكتاباتنا على تعزيز كل ما يعمل على تطويع ثقافتنا من خلال البحث العقلاني لقضايانا الثقافية والاجتماعية والبيئة في قارتنا السمراء، بتحليل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فيها والعمل على مد جسور العلاقات بين مجتمعاتنا من خلال نشاطات ثقافية مشتركة في مجال الترجمة والنشر وإصدار كتب ومجلات تُعنَى بأهم الروابط الثقافية التي تشترك فيها اجزاء كبيرة من قارتنا وتعزير العلاقات بينها.
س: ماذا عن الاقتراحات التي قمت بطرحها خلال الندوة الفكرية والثقافية للرابطة والتي احتضتها مدينة أسا جنوب المملكة المغربية؟
ج: كما تعلمون لدينا في رابطة كاتبات إفريقيا أهداف مهمة، ومن أجل ذلك اقترحت تشكيل لجنه لترتبها كأولويات ومن ثم متابعة ووضع مقترحات في كيفية تنفيذها على أن تساهم وتساعد الروابط في بلدان إفريقيا، كل رابطة في دولة تتبنى أهدف وتعمل على تنفيذها بالتعاون مع الرابطة ككل، كما أكدت على تبني موضوع تبادل الإبداع الورقي من خلال تشجيع الترجمة والنشر، لأن الاطلاع على الفكر والثقافات في الدول الإفريقية وتبادل محتويات إبداعات الكاتبات سيعمل على تسريع عملية وحدة الثقافة وتحديد ملامح هوية مشتركة، وفي الأخير دعوت جميع المثقفات والكاتبات للمساهمه في رفع مستوى ثقافة البيئة، فهي معول مهم لتنمية شاملة لهذه القارة.
س: كيف جاءتك فكرة تأسيس دار نشر ومكتبة وسط العاصمة الليبية طرابلس؟
ج: قمت بإحداث دار نشر ومكتبة توزيع بالعاصمة طرابلس في ليبيا، وتعتبر هذه المكتبة – نظرا لأن بداياتها كانت بشراكة مع الدولة بعقد إيجار – الأشهر في ليبيا، وأكبر صالة عرض للكتب في شمال إفريقيا. وبالنظر للحميمية التي تجمعني بالكتاب منذ زمن بعيد، وحتى قبل انطلاق هذا المشروع (دار نشر)، كنت في مكتبة مركزية بالجامعة، فأفهم ما يعنيه الكتاب للمجتمعات التي تريد أن ترقى وتتطور. ومن هذا المنطلق، فكرت في إمكانية المساهمة، من خلال تأسيس دار نشر ومكتبة توزيع، في تسهيل عملية الحركة التعليمية سواء على مستوى الجامعات أو على مستوى الأكاديميات. وتبعا لذلك، أسسنا هذه الدار عام 1991، وتم افتتاحها فعليا في العام 1992، وإلى حد اليوم لازالت المكتبة متواجدة، على الرغم من أنها في السنوات الأخيرة اهتمت وارتكزت فقط بالكتاب العلمي ما قبل الثورة الليبية عام 2011، إلا أنها بعد سنوات 2013 و2014 شرعنا الخوض في الكتاب الثقافي والأدبي، ونشرنا كتب العديد من المثقفين سيما النساء.
وأنا جد سعيدة في هذه الرابطة، لأني ربما أكون داعمة للكاتبات، من خلال دعوتهن لكل ما يسرع في خلق هوية ثقافية موحدة لإفريقيا عن طريق التبادل الفكري والثقافي؛ وهذا التبادل الفكري والثقافي لا يتأتى بين الكاتبات إلا من خلال النشر والترجمة؛ بمعنى أنني لا بد لي أن أقرأ روايات من أنغولا والنيجر والتشاد ونيجيريا…، وهم أيضا يقرؤون كتبا من الثقافات العربية بصفة عامة. وبالتالي فإن هذه العملية ستسرع في التحام الثقافات، ومحاولة اختصار الطريق للمعرفة أمام الأجيال القادمة من مختلف الثقافات.
كلمة أخيرة
في النهاية، أتمنى لكم كل التوفيق، موجهة شكري لكل من ساهم في إنجاح هذه الندوة الفكرية الثقافية، وأخص بالذكر جميع أهالي مدينتي كلميم وآسا الزاك على حفاوة الاستقبال والكرم، داعية الله أن يحفظ المغرب وأهلها وعلى رأسهم جلالة الملك محمد السادس.