لم يكن وليد الصدفة اختيار المُخرج الأمريكي “بروس نايباوَر” للرحالة ابن بطوطة بطلا لفيلمه الوثائقي الدرامي “رحلة إلى مكة”، سيما وأنه يُدرك جيدا أن ابن بطوطة رجل طبقت شهرته الآفاق، فهو رحّالة ومؤرخ وقاض حفر اسمه في ذاكرة التاريخ البشري من خلال كتابه “تُحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”، الذي تُرجم إلى لغات عالمية عدة.
وقد راهن المخرج الأمريكي على عنصري الإثارة والتشويق حينما أسند دور البطولة لهذا الرحّالة والمستكشف، الذي زار 40 بلدا قطع فيها مسافة 75 ألف ميل تقريبا.
في هذا الفيلم الوثائقي، لا يهتم المخرج برحلات ابن بطوطة العجائبية والغرائبية، لكنه اقتصر على رحلة بعينها وهي “رحلة إلى مكّة”، وقد استغرقت 18 شهرا قطع فيها مسافة خمسة آلاف ميل من طنجة إلى دمشق، ثم منها إلى المدينة المنوّرة ومكة المكرّمة، لذلك جاءت أحداث القصة كلها حول هذا الطريق الشاق والطويل.
ويعالج الفيلم الوثائقي “رحلة إلى مكة”، قصة الرحالة المغربي ابن بطوطة الذي حجّ بيت الله الحرام مركزا على بعض الطقوس والمناسك مثل الوقوف بعرفة والطواف بالبيت الحرام، والسعي بين الصفا والمروة، والاجتماع في مزدلفة، ثم رمي الجمرات، والعودة إلى مكة لتأدية طواف الإفاضة وهو ركن من أركان الحج.
هذا، وتولى كتابة الفيلم كل من “كارل نيتسون” رفقة الكاتب البريطاني ذي الأصول الأفغانية الهندية طاهر شاه، وتجدر الإشارة إلى أنّ مدة الفيلم كانت 45 دقيقة، ورغم ذلك فقد احتوت الرحلة برمتها واستوعبت غالبية الأحداث والمناسك الدينية التي تتطلبها فريضة الحج.
لم تقتصر عناصر القوة في هذا الفيلم بالسيناريو والرؤية الإخراجية فحسب، بل امتدت إلى تقنية السرد الخارجي الذي تبنّاه النجم البريطاني المعروف “بِن كينغسلي”، فأضفى بصوته الوقور هيبة وجلالا على هذه الفريضة التي تخشع لها الأنفس والقلوب في آن واحد.
كما امتدت عناصر النجاح أيضا إلى التصوير والأداء والمُونتاج، إضافة إلى المؤثرات الصوتية التي رافقت الرحلة من طنجة إلى مكة المكرّمة مرورا بالمدينة المنوّرة، وفيها قبر النبي الأمين وخاتم المُرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
وهنا أيضا، لا بد من الإشارة إلى سيطرة المُخرج “بروس نايباوَر” على قيادة مجاميع كبيرة من الناس الذين اشتركوا في قافلة الحج العظيمة، وضمت 500 إنسان يرتدون أزياء القرن الرابع عشر، و320 جملا، و660 حصانا وحمارا وخروفا ومعزاة، ناهيك عن استعمال أحدث التقنيات في التصوير داخل الحرم المكي بعد أخذ الموافقات الرسمية من الجهات ذات العلاقة.
يشار إلى أن المخرج الأمريكي “نايباوَر” قد أنجز أحد عشر فيلما من بينها “حياة يسوع المسيح”، و”لويس وكلارك، و”رحلة الغرب الكبرى”، و”في أحلامك الجامحة” و”أشباح ماضي ديكنز”.