ترامب وهاريس
قد تبدو غير مألوفة للأذهان صورة دونالد ترامب، الجد الذي يمنح أحفاده الحلويات خفية عن آبائهم، لكن ذلك ما أسرت به كاي، حفيدة الرئيس السابق، أمام أحد المؤتمرات الوطنية للحزب الجمهوري برسم الرئاسيات الأمريكية. رسالة وجهها الحزب الجمهوري للأسرة الأمريكية، التي باتت اليوم على أعتاب “مفترق طرق هوياتي”.
فبين معسكر جمهوري ينادي بالحفاظ على القيم، وحزب ديمقراطي يدعو لتعزيز الحقوق الفردية، تتقاذف الأسرة الأمريكية انشغالات عميقة بشأن مفهوم ودور هذه الأسرة اليوم، في ظل التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع الأمريكي، والسجال الدائر بشأن عدد من القضايا.
ولاستمالة الناخبين، يسعى كل من المعسكرين إلى تأكيد تمسكه بحماية حقوق الأسر الأمريكية، كل من منطلق إيديولوجي يبلغ، في الغالب، حد التناقض مع الحزب الآخر.
الحقوق الإنجابية للأمريكيين في صلب التجاذبات السياسية
بين كامالا هاريس ودونالد ترامب، تتجاوز المعركة الانتخابية المنافسة على كسب الأصوات الانتخابية إلى “معركة هوياتية” بين حزب ديمقراطي يدعم إقرار حريات واسعة في ما يتعلق بالحقوق الإنجابية للأمريكيين، وعلى رأسها الحق في الإجهاض، وحزب جمهوري محافظ ينادي بتشديد السياسات في هذا المجال.
إذ في الوقت الذي ينادي فيه الديمقراطيون بضرورة تعزيز الحريات الفردية في مجال الصحة الإنجابية، يشدد الجمهوريون على ضرورة التشبث بالقيم المحافظة للأسرة. كما يحشد الحزب التأييد لعداء واضح لتيار “اليقظة”، الذي يحمل لواءه المعسكر الديمقراطي.
منعطف حاسم كان قد تمثل في قرار اتخذته المحكمة العليا، حين أقدمت الأغلبية المحافظة في المحكمة على إلغاء الحق الدستوري للإجهاض، لتقبر بذلك قرارا عمره نصف قرن: “رو ضد وايد”.
شكل إلغاء هذا القرار صدمة في صفوف الديمقراطيين، الذين جعلوا منه ورقة مزايدة انتخابية لاستمالة الأمريكيين، والظفر بالرئاسيات.
وبرأي وسائل إعلام أمريكية، فإن تزايد الحديث عن الحقوق الإنجابية سارع في ترجيح كفة الانتخابات لصالح الديمقراطيين، منذ إلغاء المحكمة العليا لقرار “رو ضد وايد”، وهو ما تعمل حملة هاريس على استغلاله. غير أن الجمهوريين يراهنون على شعبية ترامب من أجل نيل أصوات ثمينة.
في الأسبوع الماضي فشل مجلس الشيوخ في تمرير مشروع قانون كان من شأنه أن يحمي الوصول إلى تقنيات التلقيح الصناعي للمساعدة على الإنجاب، على المستوى الفدرالي.
وفي هذا الصدد، انتقدت السيناتورة الديمقراطية تامي داكوورث، التي شاركت في رعاية مشروع قانون التلقيح الاصطناعي، الجمهوريين، معتبرة أن “الأسر الأمريكية عاشت، ومنذ حوالي سنتين على قرار المحكمة العليا إلغاء قانون رو ضد وايد، عواقب هذه الحملة المناهضة للحرية التي تعرض التلقيح الاصطناعي للخطر لملايين الأمريكيين”. وأضافت أن “ولايات مثل ألاباما شهدت إغلاق عيادات طبية وإجبار النساء على إرسال أجنتهن خارج الولاية بسبب ما فعله دونالد ترامب”.
وحسب محللين، فقد “سبق لهذا المشروع أن فشل في نيل التأييد، إذ لا يتفق الجمهوريون مع بعض أحكامه، غير أن الديمقراطيين طرحوه مجددا للتصويت في سياق الرئاسيات الأمريكية، “حتى يتمكنوا من جعله قضية انتخابية”.
وأشاروا إلى أن الديمقراطيين أنفسهم قاموا في السابق بمنع تشريع للسيناتورين الجمهوريين تيد كروز وكيتي بريت، يتعلق بقانون حماية التلقيح الصناعي، والذي سيحمي، وفق بريت، “الوصول إلى التلقيح الصناعي والحرية الدينية للجميع”.
وبرأي عدد من الخبراء، فإن هناك اتفاقا عاما في صفوف جانب الجمهوريين على ضرورة حماية الوصول إلى التلقيح الاصطناعي، وأن عددا قليلا من الأشخاص داخل الحزب يطالبون بفرض قيود على هذا الإجراء.
إذ أكد العديد منهم، في مناسبات مختلفة، دفاعهم عن قدرة النساء على الوصول إلى هذا الإجراء، لاسيما بهدف “تعزيز ثقافة الحياة”. في المقابل، يعتبر الديمقراطيون أن مواقف مرشحي الحزب الجمهوري بشأن التلقيح الصناعي لا تعكس الحقيقة.
اكتسب الجدل بشأن علاجات الخصوبة اهتماما وطنيا بعد حكم أصدرته المحكمة العليا في ألاباما يفرض قيودا، مما دفع الحاكمة الجمهورية، كاي آيفي، إلى التوقيع على تشريع يحمي مقدمي خدمات التلقيح الصناعي.
وفي الكونغرس، ضغط النائب الجمهوري مات روزنديل، ضد تمويل التلقيح الصناعي في وزارة الدفاع، الأمر الذي أثار مخاوف بشأن مستقبل الإجراء على المستوى الفدرالي.
في خضم حملته الانتخابية، صرح دونالد ترامب أنه في حال تم انتخابه، فإن إدارته لن تكتفي بحماية الوصول إلى تقنيات التخصيب المخبري فحسب، بل ستسهر على تغطية الحكومة أو شركات التأمين لتكلفة هذه الخدمة باهظة الثمن.
هذا الإعلان شكل ردا على الهجوم الذي يشنه الديمقراطيون، الذين يؤكدون أن القيود التي يفرضها الحزب الجمهوري على الإجهاض يمكن أن تطال أيضا التلقيح الاصطناعي.
استطلاعات الرأي.. ساحة حرب بين ترامب وهاريس
كلفت عبارة “سيدات القطط” جي دي فانس، المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس الأمريكي، سيلا من الانتقادات، بعد أن استهدف فئة من نساء المجتمع الأمريكي اخترن طواعية عدم الإنجاب، في ظل معركة محتدمة بين تمثلات الجمهوريين والديمقراطيين لقيم الأسرة الأمريكية.
العبارة التي توخى فانس من خلالها انتقاد سعي سيدات اخترن عدم الإنجاب -كامالا هاريس في هذه الحالة- لتقلد أعلى المناصب في الإدارة الأمريكية وتأثير ذلك على الأجيال القادمة، كلفت الجمهوري نقاطا ثمينة في سياق الانتخابات الرئاسية المقررة في نونبر المقبل، وأثارت زوبعة في مجتمع تتجاذبه التيارات التقدمية والمحافظة.
ورغم أن مختلف استطلاعات الرأي تكشف عن تقارب كبير بين ترامب وهاريس، لاسيما في الولايات المتأرجحة، إلا أن هذه الاستطلاعات تظهر أن المرشحة الديمقراطية تعزز تفوقها في صفوف النساء والشباب.
وبرأي محللين إعلاميين، فإن تزايد شعبية هاريس في صفوف الشباب يعد نتيجة اشتغال فريق حملتها على تعزيز صورتها على شبكات التواصل الاجتماعي التي تستأثر بتفاعل فئات الشباب، خاصة من خلال “الميمز” المؤيدة لهاريس، إلى جانب انضمام عدد من المشاهير المؤثرين في شرائح واسعة من الشباب الأمريكي، لا سيما نجمة موسيقى البوب، تايلور سويفت، التي عبرت عن دعمها للمرشحة الديمقراطية.
وفي ظل الصراع المحتدم بين الجمهوريين والديمقراطيين حول الظفر بالسباق نحو البيت الأبيض، تقف الأسر الأمريكية في مفترق طرق، يطرح أسئلة عديدة حول تمثل الأمريكيين لمفهوم الأسرة ومستقبلها، في مجتمع أضحى أكثر تقاطبا من أي وقت مضى.