في إطار تبادل الزيارات بين وفد الكُتّاب المغاربة والكتاب السوفيات، وبمناسبة أيام الصداقة السوفياتية المغربية التي احتُفل بها مؤخرا في موسكو، زارت الكاتبة المغربية خناتة بنونة أثناء وجودها بالعاصمة السوفياتية مقر مجلة المرأة السوفياتية، وبهذه المناسبة كتبت إحدى محررات المجلة نتاليا ميخالو فسكايا ما يلي :
تصدح اليوم أصوات النساء الأديبات في كل أقطار العالم العربي، ومن بينها صوت الكاتبة المغربية المعروفة خناثة بنونة. وإذا كنا لم نستطع أن نجيب بدقة عن السؤال حول كاتبة وزمن أول مؤلف نسائي، فإننا نستطيع على أي حال أن نقول بكل تحديد: لقد كانت خناثة بنونة أول أديبة في المغرب.
فهي بالذات التي رفعت الحظر عن النثر النسائي، إذ أسمت مجموعتها القصصية الأولى ليسقط الصمت، إسم هذه الكاتبة معروف الآن جيدا في المغرب وخارجه، وخناثة بنونة هي مؤلفة عدة مجموعات من القصص والروايات، وقد قلدت الجائزة الأدبية الأولى في المغرب كأول امرأة لقاء نشاطها الإبداعي. وأدرجت وزارة التربية روايتها النار والاختيار في كتب الأدب لكل ثانويات المملكة المغربية، ولكن الشعبية والاعتراف بالكاتبة والمجد والإسم أتت جميعها فيما بعد، أما في البداية فكان هناك طريق شاق طويل من أجل حقها في أن تسمى كاتبة. قالت خناثة بنونة : “كانت الصحافة فاتحة طريقي في الأدب، وبأموال أبي الذي كرس كل حياته للنضال هو والأسرة من أجل استقلال بلادنا، بدأت بإصدار مجلة الشروق. لقد أنفقت ورفاقي في التفكير وبالمناسبة كانوا رجالا كلهم وتستطيعون أن تتصوروا كم كان يصعب عليَّ أنا المرأة أن أقودهم وأبرهن على حقي في هذا الكثير من القوى لتوفير الاستقلال الاقتصادي للمجلة إذ أن الاستقلال الفكري مرتبط بالاستقلال الاقتصادي. كان الوضع صعبا وفي ذلك الوقت لم تكن أراني قد تبلورت بما فيه الكفاية، فلم أستطع أن أجابه بصورة كاملة السلطات التي لم تستقبل ظهور المجلة بالترحاب. ولكن المجلة كانت تصدر رغم كل الصعوبات السياسية والاقتصادية”.
لم تستطع الحكومة على أي حال مهادنة المجلة الجديدة ولاسيما أن امرأة تترأسها. جردت خناثة بنونة من حقوق النشر ولكن الشروق تابعت الصدور بأموال أسرتها. كانت هذه المجلة المتواضعة تتطلب جهودا جبارة ولكنها لم تكن تتجاوب مع نيات خناثة وأموالها. لم يكن الأدب النسائي قد وجد بعد في البلاد، ولم تكن الشروق تستطيع أن تعكس بالتالي رأي النساء على صفحاتها وعوضا عن خوض حديث معد للنساء وعن النساء، اقتصرت المجلة على التحدث عن القضايا العامة للمجتمع، بأقلام الرجال بالخصوص. ولم تكن عند المحررة الشابة سوى الرغبة العارمة في إصدار مجلة نسائية، ولكن لم تكن تتمتع إلا بالقليل جدا من التجربة الصحافية، ومع ذلك لم تستسلم خناثة بنونة وأصدرت مجموعتها القصصية الأولى ليسقط الصمت، التي مارست تأثيرا في معاصريها، حيث هي أول كتاب قصصي لامرأة في التاريخ بالمغربي.
كان الموقف الذي اتخذته خناثة بنونة منذ السنوات الأولى لدخولها حلبة الأدب واضحا بما فيه الكفاية. إن انتقاد المجتمع وعدم دور المرأة فيه والتعاطف في تطلع معاصراتها اللواتي كن لا يزلن قليلات، والحق يقال، إلى إن التعبير عن الذات وتأكيد الذات هي ما كان يلازم قصصها السياسية والفلسفية وأخذت النساء الأديبات قتداء بخناثة بنونة يثرن في كتبهن قضايا جدية لها مغزاها الاجتماعي.
تؤمن خناثة بنونة بمستقبل المرأة كما تؤمن باستحالة وقف التقدم وبأنه يزداد في المغرب من سنة لأخرى حيث عدد الطبيبات والمهندسات والحقوقيات والصحافيات.
تقول خناثة بنونة :
“أستطيع أن أوزع شعبنا على ضفتين متباينتي الارتفاع، الأولى هي التي يقف عليها الذين يعتبرون أن الوعي بين النساء عال بما فيه الكفاية، ولا مبرر لرفعه، ويقف على الضفة الثانية وهي منخفضة جدا الذين ناضلوا ويناضلون من أجل حقوق المرأة على هذه الضفة يتسرب الرمل ذرة قذرة وستغدو قريبا عالية لا يطالها البصر.”
إن خناثة بنونة، المخلصة لدروس أبيها الروحي، أحد قادة النضال الوطني التحرري للشعب المغربي، علال الفاسي الذي غرس فيها حب الأدب وعلمها مبادئ النضال هي اليوم أنشط المناضلين من أجل مكانة المرأة في المجتمع. وهي لا تحاول اليوم إيصال مثلها إلى القراء فحسب بل تلميذاتها أيضا، إذ أن خناثة بنونة تشغل علاوة على ممارسة العمل الأدبي، منصب مديرة ثانوية للبنات بالدار البيضاء.
قطعت مؤلفات خناثة بنونة صمت النساء المغربيات الذي استمر قرونا عديدة، والآن تم الكثير ممّا ينبغي أن تقوله نساء هذا البلد للعالم.
جريدة “المرأة السوفياتية”