بمناسبة تقديم كتاب Brises et vent, Marocaines engagées
للأستاذة و المناضلة الجمعوية والحقوقية فوزية طالوت المكناسي
(فرح)
لقد قام السيد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير الدكتور مصطفى الكثيري
باعطاء كلمة غنية بمناسبة تقديم كتاب
Brises et vent, Marocaines engagées
للأستاذة و المناضلة الجمعوية والحقوقية فوزية طالوت المكناسي
وفي ما يلي فحوى الكلمة
يغمرني شعور ملؤه الاعتزاز والفخر وأنا ضمن هذه الصفوة والثلة من النساء المثقفات الفاعلات المناضلات والمقاومات وكل الحضور الكريم الذين اجتمعوا تعبيرا منهم عن تقديرهم للمرأة المغربية عامة والمقاوِمة والمناضلة منها على وجه الأخص واعترافا بمكانتها، وعرفانا بأدوارها الطلائعية واستحضارا لمواقفها الرائدة وعطاءاتها ومساهماتها الوازنة في ملحمة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال والسيادة وتحقيق الوحدة الترابية الوطنية، وإبرازا لحضورها كطاقة خلاقة وقوة فاعلة ومؤثرةومساهمة في تنمية البلاد وتطورها وتحقيق تقدمها وازدهارها ورقيها.
إن حضورنا اليوم بالفضاء الوطني للذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير لتقديم كتاب “نسائم ورياح: نساء ملتزمات” وهي الترجمة العربية لعنوانه باللغة الفرنسية Brises et vents ; Marocaines engagées لمؤلفته الأستاذة فوزية طالوت المكناسي، الصحفية والناشطة الجمعوية، التي امتصت رحيق الوطنية من والدها الذي كان رفيقا مقربا من أيقونة حركة المقاومة والفداء بالدار البيضاء، الشهيد محمد الزرقطوني، ومن جدها من جهة الأم محمد فنيش، رجل القانون الذي أخذت عنه مبادئ العنفوان ومعنى الحق والقانون.
الأستاذة فوزية طالوت المكناسي، هي ابنة مدينة الدارالبيضاء قلعة المقاومة والكفاح والعمل والنضال السياسي والنقابي بامتياز، في مدارسها وجامعاتها شقت طريقها الأكاديمي، وفي باريس ونيويورك صقلت كفاءاتها، لتعود إلى الوطن وتختار أن ترهن رصيدها المعرفي والمعنوي والعلائقي ومهاراتها العملية من أجل تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة المغربية، الصانعة التقليدية، من خلال إنشاء جمعية أطلقت عليها اسم ” ريفام دار المعلمة” وذلك سنة 2008 محققة بذلك حلما راودها منذ سنة 1998.
إلى جانب اهتماماتها المهنية والجمعوية، كانت الأستاذة فوزية طالوت المكناسي أول من أصدر مجلة نسائية مغربية سنة 1991 تحت اسم فرح. ولعطاءاتها الثرة الفياضة ولمثابرتها واجتهادها رشحت من طرف الجمعية السويسرية “1000 امرأة سلمية” لجائزة نوبل للسلام سنة 2005.
الأستاذ فوزية طالوت المكناسي متعددة الاهتمامات وكثيرة الانشغالات، لكن ولعها بالنضال في صيغة المؤنث جعل هذا الجانب يطغى على باقي الالتزامات الأخرى مهنية كانت أم أسرية، وهاهي اليوم تغني الخزانة الوطنية بكتاب قيم يقدم سيرة ثلاثين امرأة، نساء من المؤكد أنهن بصمن حياة الأستاذة فوزية طالوت كما أسرّت بذلك في تصدير الكتاب قائلة: “بعض اللقاءات تداعبككالنسائم الخفيفة ، والبعض منهاكالرياح العاتية، تغير مجرى حياتكوتترك بصماتها وآثارها على روحك مدى الحياة”.
تاريخ المغرب حافل بالأسماءوذاكرتنا الوطنية عندما نتحدث عنها بتاء التأنيث تبهرنا بأروع الأمثلة عن المرأة المغربية المكافحة ودعمها لحركة المقاومة والتحرير
كتاب الأستاذة فوزية طالوت المكناسي يسرد سيرة نساء اعتبرتهم القدوة والنموذج في التحدي والبذل والعطاء، نسوة من شرائح مختلفة تراوحت بين الأميرة والأم والسياسية والحقوقية والطبيبة والكاتبة والمستشارة وغيرها، نساء ينضفن إلى قافلة من نساء مغربيات حملن المشعل منذ أن وجد هذا الوطن، فتاريخ المغرب حافل بالأسماءوذاكرتنا الوطنية عندما نتحدث عنها بتاء التأنيث تبهرنا بأروع الأمثلة عن المرأة المغربية المكافحة ودعمها لحركة المقاومة والتحرير، كيف لا وهن سليلات الأميرة الأمازيغية الكاهنة داهيا وكنزة الأوربية وزينب النفزاوية والسيدة الحرة وخناتة بنت بكار، ومن رحمهن ولدت أعدجو موح ورحمة حموش وثريا الشاوي وفاما…، وغيرهن كثير لا يتسع المقام ولايسمح الحيز من الوقت لذكرهن واحدة واحدة.
هذا الكتاب، الذي نحتفي بتقدمه اليوم بالفضاء الوطني للذاكرة التاريخية للمقاومة التحرير، إنما يحيلنا على المجهودات المبذولة من قبل المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير من أجل توثيق تاريخ الحضور النسائي في معترك المقاومة وحركة التحرير من أجل الاستقلال والوحدة، حيث وضعت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير نصبَ أعينها توثيق تاريخ نسوة مغربيات اخترن طريق المقاومة ومارسن الفداء وركبن صهوة العمل الوطني، نسوة خرجن جنبا إلى جنب مع الرجال، حملنَ السلاح ضد الدخيل الأجنبي والتسلط الاستعماري، وأبدينَ قدرة على الصمود في المواقع والثبات على المبادئ بالقدر الذي ينافس ويضاهي أشقائهُنَ من الرجال، نسوة خُضْنَ عُبَابَ المواجهة وغِمَارَ التصدي لكل أشكال القمع الذي عرفته البلاد منذ أن فُرض نظام الحماية وإلى حين حصول بلادنا على استقلالها وجلاء آخر جندي أجنبي عن تراب الوطن.
لهؤلاء النسوة، أَفْرَدَتْ المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير مؤلفاً من ثلاثة أجزاء، يتضمن “تراجم المرأة المغربية المساهمة في ملحمة الاستقلال والوحدة”
نسوة التحقن بالحركة الوطنية في بدايتها ومارسن السياسة ضد الظلم والاضطهاد من أجل الحرية والمساواة، نساء قويات جمعهن حب الوطن وخدمته، ودافعن عن المبادئ النبيلة إلى آخر رمق من حياتهن، منهن الأسيرات والشهيدات اللائي قَدّمْنَ أرواحهُنَّ فداءً للوطن من أجل زرع بذرة الحرية ونبتَةِ الديمقراطية، ومن أجل مجتمع يسودُه العدل والمساواة والتقدم والازدهار.
لهؤلاء النسوة، أَفْرَدَتْ المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير مؤلفاً من ثلاثة أجزاء، يتضمن “تراجم المرأة المغربية المساهمة في ملحمة الاستقلال والوحدة”، ونشرتْ أربعة كتب جامعة لأشغال الندوات الفكرية المنظمة مع المؤسسات الجامعية ومنظمات المجتمع المدني وهي:
- ندوة في موضوع: ”دور المرأة المغربية في ملحمة الاستقلال والوحدة”؛
- وندوة علمية حول: ”المقاومة النسائية بالمغرب”؛
- ثم ندوة تكريمية للمرأة تحت شعار: ”مكانة المرأة المقاومة في الذاكرة الوطنية”؛
- بالإضافة إلى مخرجات اللقاء التكريمي الذي حمل شعار: ”دور المرأة المقاومة في ملحمة التحرير وفي مسيرة البناء والتنمية”؛
- علاوة على أشغال الندوة الفكرية بعنوان: “المرأة المغربية، بين فترة الحماية وعهد الاستقلال الوطني”؛
- وأخيرا الندوة العلمية المنظمة بمناسبة اليوم العلمي للمرأة 8 مارس 2022بعنوان ” المرأة المغربية المقاومة: رؤى ومقاربات”.
كما تم تخصيص حيز مهم للمرأة المغربية ضمن موسوعة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير بالمغرب التي استوفت الآن مجلدها الثالث والعشرين والعمل متواصل لإنجاز مجلد خاص بالنساء المقاومات ضمن سلسلة معجم تراجم المقاومين.
وفي نفس السياق، تجدر الإشارة إلى أن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وفي إطار مقاربتها الهادفة إلى صيانة ذاكرة المرأة المقاومة، قد عملت على نشر أربعة مؤلفات إلى متم سنة 2021 تمتح من موضوع المرأة المغربية تيمة لها، وهي:
- “Les Femmes dans l’historiographie de la Résistance marocaine”؛
- المؤلف الموسوم: ب “المرأة المغربية والتاريخ الوطني: إشكالية الفعل النسائي بين التاريخ العالم والتاريخ المدرسي”؛
- أطروحتان جامعيتان، الأولى بعنوان: “النساء المغربيات زمن الاستعمار 1830-1962، الموروثات والمتغيرات”، والثانية موسومة بـ:”تعليم الفتيات المغربيات خلال فترة الحماية الفرنسية 1912-1956”.
وعلى سبيل الختم أقول، إن عالم الأستاذة فوزية طالوت المكناسي المخضّب باللون الوردي، والمُدبج بتاء التأنيث ونون النسوة، ظل الرجل فيه حاضرا والاعتراف به قائما والجهر بأفضاله انتصارا، إذ لم تتردد الأستاذة فوزية طالوت المكناسي أن تختم إصدارها بسيرة الرجل الذي وصفته بأنه الصديق الذي شاركها كل صغيرة وكبيرة في اهتماماتها الجمعوية والمهنية منذ أن التحقت بجمعية أبي رقراق ذات يوم وشهر من سنة 1986، وهكذا يكون وراء كل إمرأة عظيمة رجل أعظم.
الشكر لك الأستاذة فوزية طالوت والشكر على ما بذلتيه وتبذلينه في سبيل التمكين الاقتصادي والرفاه الاجتماعي للنساء المغربيات العاملات، ولكُن أيضا من حاضرات ومشاركات، ولكم الحاضرون والمشاركون الشكر والثناء جميعا على إنجاح هذه المبادرة الراقية والرائعة.
وفقنا الله لما فيه خير الوطن تحت القيادة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.