أثارت صورة شابة مسلمة ترتدي الحجاب في ملصق دعائي للانتخابات المحلية الفرنسية جدلا واسعا خلال الفترة الماضية، وأحيت النقاش حول حرية ارتداء المسلمات الحجاب في فرنسا.
في تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست (Washingtonpost) الأميركية، تقول الكاتبتان روبي ميلين وفرانس كيزر إن المرشحة المسلمة سارة زماحي (26 عامًا)، التي تعمل اختصاصية تقنية في أحد المختبرات، كان من المفترض أن تخوض الانتخابات المحلية في مونبلييه بدعم من حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الجمهورية إلى الأمام).
لكن الحزب تخلى عن دعمه لسارة في مايو/أيار الماضي؛ إثر انتشار الملصق الذي تظهر فيه مرتدية الحجاب. وأشار الأمين العام لحزب “الجمهورية إلى الأمام” ستانيسلاس غيريني إلى أن “القيم التي يتبناها الحزب لا تتوافق مع التباهي بإظهار الرموز الدينية في الملصقات الانتخابية”.
قيود فرنسية
وردّت زماحي بأن “الحجاب جزء لا يتجزأ من شخصيتي؛ إنه جزء مني، ولا يمنعني من أن أكون مواطنة فرنسية، ومن العمل في المنطقة التي أعيش فيها، ومن المشاركة في الانتخابات”. وتضيف “بالنسبة لي، بالحجاب أو من دونه، سأواصل العمل في هذه المنطقة”.
وحسب الكاتبتين، فقد أعادت مشكلة زماحي قضية الحجاب إلى الواجهة في فرنسا، التي تريد منذ سنوات فرض قيود علمانية على الأماكن والأوقات التي يُسمح فيها للمسلمات بارتداء غطاء الرأس والوجه.
وفي أبريل/نيسان الماضي، صوّت مجلس الشيوخ الفرنسي على منع الفتيات دون سن 18 عامًا من ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، وهي خطوة من غير المرجح أن تصبح قانونًا لأنها تفتقر إلى الدعم السياسي من الهيئة التشريعية، ويُنظر إليها -على نطاق واسع- على أنها غير دستورية، ومن المحتمل أن يمنع تعديل دستوري آخر الأمهات اللواتي يرتدين الحجاب من مرافقة أطفالهن في الرحلات المدرسية.
وفي عام 2010، أصدرت الحكومة تشريعًا يحظر تغطية الوجه بالكامل في الأماكن العامة، بسبب مخاوف بشأن السلامة وعدم المساواة. وقبل ذلك، وتحديدا عام 2004، مررت فرنسا قانونًا يحظر الرموز الدينية العلنية -مثل ارتداء أغطية الرأس- في المدارس العامة.
جدل قديم
في هذا السياق، تقول الباحثة الفرنسية والخبيرة في الحريات الدينية ريم علوان إن الجدل حول الحجاب في فرنسا “ليس أمرا جديدا، ومن المثير للاهتمام أن نرى المزيد من المسلمات يُتهمن بعدم القدرة على الاندماج، وعدم المشاركة في المجتمع، لكن هذا غير صحيح؛ فكلما زادت مشاركتهن في المجتمع والحياة الديمقراطية، تفاقمت المشكلة أكثر”.
وشاركت زماحي في الانتخابات المحلية الفرنسية بشكل مستقل إلى جانب 3 مرشحات مسلمات، وقالت في مقابلة مع رويترز “لن نستسلم”، “هذه المنطقة التي أسكن فيها وولدت فيها، ولن يشكل الحجاب عائقا أمامنا نحن الأربع نساء”.
وبينما جذبت قصة زماحي اهتمام الرأي العام، تقول الكاتبتان إن المسلمات في فرنسا -سواء كنّ معلمات أو كاتبات أو رائدات أعمال أو أمهات- يواجهن تحديات يومية بسبب ارتداء الحجاب.
ويستعرض التقرير آراء 9 مسلمات فرنسيات يعتقدن أن الحجاب رمز للقوة والالتزام بجذورهن ودينهن، وليس رمزا للخضوع مثلما يصوّر البعض.
نوال بوماضي
تقول نوال بوماضي (33 عاما)، التي تعيش في مدينة نيس، “يعتقد الناس أن جميع المحجبات متشابهات، وأن من يعشن في فرنسا أو الولايات المتحدة يشبهن نساء المملكة العربية السعودية. نحن مختلفات، ولدينا قيم وتاريخ وخلفيات مختلفة”.
صليحة كوسا
من جانبها، تقول الكاتبة صليحة كوسا (57 عاما)، من مدينة كان؛ “مرة أخرى، نرى رجالًا يتمتعون بالسلطة يقررون ما ينبغي أن ترتديه النساء”. وتضيف “يقول بعض الرجال إنه إذا سمحنا للنساء بارتداء الحجاب فعليهن فعل ذلك، وإذا منعناهن من ارتدائه فلا يستطعن مخالفة الأوامر. يعتقد بعض الرجال أنه على النساء البقاء في المنزل ولا يمكنهن المشاركة في الرحلات التي تنظمها المدارس، ولا يمكنهن السباحة، ولا يمكنهن ممارسة الرياضة. من وجهة نظرهم ينبغي أن نكون غير مرئيات”.
أميرة زعيتر
من جهتها، تشير أميرة زعيتر (31 عاما)، وهي تعمل مقدّمة رعاية في سانت جانيت؛ “كلما تحدثنا أكثر عن الإسلام أو الحجاب أو الانفصالية، زاد مستوى الإقصاء الذي نتعرض له في الشارع، إن ذلك يسهم في تنامي الدعم الحكومي للتوجهات المؤيدة للإسلاموفوبيا، ناهيك عن الإسلاموفوبيا التي نواجهها في حياتنا اليومية”.
وتضيف “اخترت خلع الحجاب في العمل لأنني أردت تجنب الانتقادات السخيفة من زملائي، لكنهم علموا أنني أرتدي الحجاب خارج مكان العمل. لقد دفعني ذلك إلى طلب أيام إجازة من العمل لأنني سئمت سماع تعليقاتهم التي تتهمني بالتخطيط لزرع قنبلة! كل ذلك لأنني أرتدي الحجاب”.
ناتالي بنجيلالي
تقول ناتالي بنجيلالي (44 عاما)، وهي ربة بيت وأم لـ7 أطفال وتعيش في مرسيليا؛ إن “القانون الأخير يتعارض مع قيم الجمهورية. المجتمع الفرنسي مجتمع موحّد، وكوننا مسلمين لا يعني أننا لا نستطيع أن نكون جزءًا من الجمهورية الفرنسية”.
وتتابع “نحن نتمتع في فرنسا بالحق في الاختيار بحرية، ومعظم النساء في فرنسا يخترن ارتداء الحجاب. إذا كنت أريد أن أخلعه غدًا وارتدي التنانير القصيرة، فهذا خياري الشخصي، ولا أحد يمكنه أن يمنعني من القيام بذلك”.
ليلي
وافقت ليلي (40 عاما) -وهي كاتبة وأم لـ3 أطفال وتعيش في نيس- على التحدث إلى الصحيفة بشرط إخفاء اسم عائلتها حفاظا على الخصوصية.
وتقول “لا تشارك الأم المحجبة في الرحلات المدرسية لتسأل عما إذا كان الأطفال يؤمنون بالله أم لا. هي ترافق الأطفال من أجل حمايتهم من المخاطر لا غير”.
وتضيف “الأطفال لديهم نظرة بريئة إلى العالم. عندما يرون أمّا يقولون هذه والدته أو والدتها، ولا يركزون على الحجاب. ما نقوم به هو فرض صورة نمطية على الأطفال لم يعرفوها من قبل؛ الصورة النمطية للمرأة المحجبة الغبية التي لا تتحدث عن أي شيء ولا تتقن لغة موليير وليس لها رأي”.
هاجر بركوس
تقول هاجر بركوس (27 عاما)، وهي طالبة مقيمة في نيس؛ إنها طُردت من وظيفتها عام 2018 لأن صاحب العمل اعتبر أنها لا تحترم قواعد اللباس التي تفرضها الشركة.
وترى بركوس أن “ارتداء الحجاب حق يكفله الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكن فرنسا لا تلتزم باحترام هذه الحقوق. يتعين علينا في كل مرة تبرير سبب ارتدائنا الحجاب. على السبيل المثال، عندما تذهبين لإجراء مقابلة عمل لا تُسألين عن مؤهلاتك بدرجة أولى، بل عن الحجاب”.
وتضيف “رغم أننا في عام 2021 فما زلنا نضطر إلى الاختيار بين البقاء في المنزل أو خلع الحجاب للحصول على وظيفة. يقال لنا إن المرأة المحجبة امرأة خاضعة، لكن المجتمع وقوانين اليوم هي التي تجعلها كذلك”.
نجلاء المرزوقي
تقول نجلاء المرزوقي (34 عامًا)، وهي رائدة أعمال حاصلة على درجة الماجستير في إدارة المخاطر، وتعيش في نيس- إن “الناس ينظرون إلينا بغرابة؛ عندما تتحدث وسائل الإعلام عن (الانفصالية) فإنها تخلق صورة مخادعة، ويمكنني رؤية ذلك في عيون الناس. صحيح أننا نرتدي الحجاب، ولكن لدينا عقل تحت هذا الحجاب، إنه العقل الذي يسمح لي بالتواصل والتحدث وإبداء مشاعر الحب؛ نحن بشر بالحجاب أو من دونه”.
إيناس لشهب
تؤكد إيناس لشهب (46 عاما)، وهي أم لـ7 أطفال وتعيش في نيس؛ أنها تقدمت بطلب للحصول على الجنسية مرتين وحُرمت منها مرة بسبب الحجاب.
وترى لشهب أن “المجتمع الفرنسي يركز بشكل كبير على الحجاب، لكنه لا يؤذي أحدا. يعتقد معظم الناس أن المرأة المحجبة امرأة خاضعة، وأنها مضطهدة؛ لكنني حرة، هذا اختياري، وهذه حياتي”.
نورا بلماحي
تقول نورا بلماحي (43 عاما)، وهي مدربة تنمية بشرية وتعيش في نيس؛ إن “هناك أقلية من المتطرفين المسلمين، لكن الناس يضعون جميع المسلمين في سلة واحدة. في الحقيقة معظم المسلمين يعيشون بسلام”.
وتضيف “أشُدّ على يد جميع المحجبات وأدعوهن لمواصلة الكفاح، وأنصح من لديهن شهادات بإطلاق مشاريعهن التجارية الخاصة. ثقن بأنفسكن، علينا أن نُظهر كفاءتنا وإمكاناتنا، ويجب أن يكون لدينا دافع يحفزنا لتحقيق الأفضل”.
المصدر : الواشنطن بوست