من المعلوم أن للذكر مثل حظ الأنثى في حمل أعباء الأمانة الإنسانية في كل مجتمع كيفما كانت ثقافته وحضارته، فالمرأة لم تتخلف عن مشاركة الرجل في بناء الصروح الحضارية والثقافية وحتى المعرفية.
وفي فن الملحون المغربي، اصطفت نساء كثيرات إلى جانب الرجال، في رسم مسارات فارقة في تاريخ هذا التراث الموسيقي الضارب في عمق التاريخ، ليثبتن حضورهن سواء كناظمات للشعر أو منشدات أو حافظات أو حتى كعازفات، سيرا على خطى الشيخة بريكة بنت بنعلال، التي قيل أن الرجال المنشدين كانوا يتهيبون مقاسمتها جلسات الملحون في مدينة فاس العريقة.
ولعب السياق الاجتماعي والثقافي والسياسي المغربي، الدور الكبير في تغييب هذا الحضور، إلا أن التغيرات التي أحاطت بالمجتمع المغربي من كافة النواحي والمجالات، علاوة على المجهودات الجبارة للإعلام في إعادة تسليط الضوء على إمكانات المرأة المغربية في الرقي بهذا الفن، ساهمت في ظهور بعض الأسماء والأصوات النسائية من قبيل ثريا الحضراوي، نبيلة معان، حياة بوخريص…
وبالعودة إلى الوراء قليلا، وبالضبط في مستهل ستينات القرن الماضي، مع التغييرات الفنية والجمالية التي سيعرفها فن الملحون، ستعمل المرأة المغربية الحديثة، وللمرة الأولى في تاريخها، على ولوج هذا الفن من بابه الواسع، حيث سيطفو على السطح اسم ثريا الحضراوي (1957)، التي تعد أوّل مطربة تُؤدّي قصائد غناء الملحون بشكل منفرد، بعد أنْ كان تاريخياً يُغنّى بشكل جماعي من طرف الرجال فقط، وداخل أفق ضيّق يطغى عليه البعد الإنشادي.
وتبعا لذلك، فإن حداثة فن الملحون ارتبطت بدخول المرأة إلى عالمه، سيما وأنها كانت سببا في تحريره من ركوده وتبعيته، ونقلته من أحضان المحلية إلى رحاب العالمية، وجعلته يرتاد أفاقا جديدة قائمة على التجريب.
ولم تتوقف تجربة الملحون عند هذا الحد فقط، بل فتح اهتمام بعض المحافل والمهرجانات الدولية والمؤسسات الأجنبية، من معاهد ومراكز من مختلف الدول الغربية،
الباب على مصراعيه لبروز جيل جديد من الأسماء النسائية المغربية – مثل ماجدة اليحياوي ونبيلة معان – التي أضحت تؤدي فن الملحون، إلى جانب أغان تراثية أخرى كالطرب الغرناطي والطرب الأندلسي.
ولعل السؤال الذي يراود ذهن كل محب ومولع بهذا الفن التراثي الأصيل، الذي ظل صامدا لقرون سحيقة خلت، هو، كيف لهذا الفن أن يحافظ على صموده في ظل شيوع وذيوع الأغنية التجارية التي اكتسحت الساحة الموسيقية المغربية اليوم؟