هدية العيد
رمزية ودلالة نفسية
بقلم بشرى شاكر
الهدية رمز للمحبة أكثر منها قيمة مادية، إنها تعبير عن محبتنا ومودتنا للآخر وقد قال عنها الأخصائي النفسي “صامويل لوباستي” في دراسته للجانب النفسي للهدية أنها تشبه الغذاء الممنوح من الأم لأبنها بحيث انه لا توجد أم لا ترضع ابنها حبا وحنانا أو تعطيه لقمة لا تمتزج بحبها ومودتها له…
وخلال السنة تصادفنا أيام أعياد ومناسبات كثيرة اعتاد البعض على أن يعبر فيها عن حبه لأهله وأقربائه وحتى أصدقائه باقتناء هدية لهم ومع اقتراب موعد كل عيد يتأهب الأهالي لتبادل الزيارات وتبادل أنواع المأكولات وشراء ملابس جديدة للأطفال…
الهدية لدينا نحن العرب ارتبطت أساسا بنوع من التقليد أو العرف الذي اعتدنا عليه خاصة في مواسم الأعياد الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية ولدى المسلمين خصوصا فهي تذكير بصلة الرحم وإشاعة المودة والرحمة التي أمرنا بها في ديننا الحنيف…
وأول هدايانا كلمة طيبة تنوب عنا كيفما كان قدرها، فقد قال رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات والسلام: “تهادوا تحابوا” كما قال في رواية أخرى “تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر”…
الهدية ليست فقط تعبيرا عن الحب ولكنها أيضا ومن منظور نفسي طلب لمقابله من المودة والحب، فنحن نعطي حبا ولكننا أيضا ننتظر مقابله عرفانا وحبا إضافيا، لذلك تجد من يهدي كثيرا ويبادر أولا في كل مرة يتبرم أخيرا من عدم إحساس الآخرين به، فلا يجب أن نكون ممن يأخذ دون أن يعطي، ليس ضروريا ما ستعطيه ولكن ضروري جدا أن يعلم الآخر انك تعترف بجميله وتكن له نفس الحب…
وهديتنا هي رمز لنا ومرآة تعكس دواخلنا، ففي مناسبة واحدة لشخص معين، كل فينا سوف يختار هدية مغايرة أو مطابقة للآخر، بحيث أنها تعكس بطبيعة الحال قيمتها المادية فلسنا متساويين في الأرزاق… ولكنها تعكس أيضا ذوقنا واهتمامنا بالآخر، فقد نختار كهدية ورودا حمراء لأنها تروق لنا وآخر يختار ورودا بيضاء لأنها تروق للشخص الذي سنهديه إياها، فتكون الهدية الثانية الأقرب لنفس المتلقي لأن الشخص الثاني كان أكثر قربا منه، ففهم ذوقه واختياراته وقدمها على اختياراته هو…
للهدية مناسبات وأوقات معينة ولكنها حينما تغدو تقليدا دوريا فإن لذلك رمزية اكبر مثل هدايا رأس السنة لدى المسيحيين مثلا والتي ينتظرونها عند شجرة الميلاد المزينة ويكون وقعها اكبر لدى الأطفال، لأن هذا الوقت من السنة يشكل لهم رمزا للحب من قبل كل أسرتهم، والمناسبة الدورية لدى المسلمين هي الأعياد الدينية والتي تتميز باقتناء الأهالي هدايا وملابس لأطفالهم.
الهدية التي ترتبط بالاحتفالية الدينية تغدو كطقس روحي، ويتجاوز معناها معنى الهدية الظرفية، فهي تشكل صلة رحم، تشكل مودة وعرفانا وتشكل اجتماعا عائليا في مناسبة دينية يحتفل بها الجميع وأيضا فرصة للتآزر بين الناس وتذكر الصدقات والهبات للأيتام والأرامل وغيرهم من الفئات التي تحتاج لتشعر مثل غيرها بأهمية العيد الديني…
إذن أكثر ما يميز الهدية الدورية أو المناسباتية هي كونها عيد للجميع، عيد نتذكر فيه الأواصر التي بترت والعلاقات التي كادت تنتهي ونذكر فيه من يحتاج لنا ولو حتى بابتسامة أو كلمة طيبة…
وإذا كانت الهدية كما أسلفنا أمرا مهما فلكي يكون وقعها أعمق عليها أن تحمل حبنا للآخر ولأننا نحبه فإننا سوف نختار بالتأكيد ما يعجبه هو وليس ما يعجبنا نحن، فحتى الطفل الصغير الذي ينتظر لباسا جديدا في العيد لديه ذوقه ولديه رغبته في الألوان فلماذا لا نسأله رأيه، ففي النهاية هو من سيرتدي هذا الثوب الجديد لا نحن؟
هب قلما لشخص يحتاجه للكتابة أفضل من أن تهبه مبراة جميلة وباهظة الثمن وأنت تعلم أن لا قلم له بالأساس…
لتكن هديتك عملية ومناسبة للشخص الآخر والأهم أن تكون تعبيرا عن محبتك له، فصحن حلوى بسيط قمت بصنعه وأهديته للجيران كفيل بأن يرفع ضغائن كثيرة ويرسم ابتسامة كبيرة على وجوه صغيرة…
الهدية لليتيم أو المسن أو لمن لا أقارب له، هي كزراعة وردة في حقل كان قاحلا تزرع قربها ورود أخرى نسيمها الأمل وعبيرها الفرح….
وأخيرا اقول لكم: الهدية الأسمى هي حبنا لبعضنا البعض، هي تآزرنا مع بعض.. فلتتهادوا تحابوا…
وكل عام وانتم بألف خير