يشهد يوم الاثنين 21 ديسمبر/كانون الأول الجاري (وهو يوم الانقلاب الشتوي) حدثا فلكيا فريدا ونادرا لا يتكرر إلا كل بضعة عقود، حيث يلتصق الكوكبان الأكبران في المجموعة الشمسية -المشتري وزحل- في ظاهرة يطلق عليها اسم “الاقتران الأعظم”، وكان آخر مرة حدثت هذه الظاهرة في عام 1961، وستحدث المرة المقبلة في عام 2080.
وستكون المسافة الفاصلة بين الجرمين اللامعين خُمس قُطر القمر، أو ما يعادل عُشر درجة (6 دقائق قوسية)، وهي مسافة قريبة لجرمين لامعين ستجعل منهما جِرما واحدا كما يرى بالعين المجردة.
وفي الوقت ذاته، ستتيح للمصورين والهواة التقاط أجمل صورة في إطار واحد لكوكبين عظيمين حيث حلقات زحل تتعانق مع أحزمة المشتري الغيمية، وأقمارهما تتداخل بحيث لا نكاد نميز أيها تابع للآخر إلا باستخدام الخرائط الفلكية.
ما الاقتران؟
بسبب دوران الكواكب في مدارات متقاربة الميل حول الشمس، أي أنها جميعا شبه منطبقة إلا من ميل بسيط بينها (ميل الأرض 23.5 درجة، ميل المريخ 25 درجة، ميل زحل 26 درجة) فإنها تقترب في السماء من بعضها بعضا، فهي جميعا تدور في مدار البروج ولا تتعداه، لذلك فإن بعضها يرى بالقرب من بعض في حوادث متكررة.
ويعرف اجتماع كوكبين أو حتى أي جرمين سماويين بـ”الاقتران” (Conjuntion)، وأشهر اقترانات السماء عادة هو الهلال مع كوكب الزهرة، واللذان يشاهدان عادة بعيد غروب الشمس، يليه الزهرة والمشتري كونهما الكوكبين الألمعين في السماء، ثم المشتري وزحل، وكذلك اقتران القمر بأحد النجوم اللامعة كالدبران والسماك الأعزل وقلب الأسد.
والاقتران الأجمل على الإطلاق هو اجتماع الشمس بالقمر في ظاهرة الكسوف الشهيرة، قال تعالى “وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ” (سورة القيامة: الآية 9).
كيف نرصد ظاهرة الاقتران؟
إذا نظرت بعيد غروب شمس أي يوم من هذه الأيام ناحية الغرب محولا وجهك قليلا نحو اليسار، فإنك ستشاهد جِرما لامعا أوحد هو كوكب المشتري الأبيض، فإن أنت دققت البصر فوقه قليلا، فإنك ستبصر جرما أقل لمعانا منه هو كوكب زحل.
هذان الكوكبان آخذان بالاقتراب من بعضهما منذ أيام، وسيبلغ أقصى اقتراب بينهما يوم 21 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ولرصدهما فأنت لست بحاجة إلا لأن ترفع بصرك عاليا في السماء، فإن حالفك الحظ وكنت تملك منظارا مزدوج العينية (دربيل)، أو استطعت أن ترافق شخصا أو مجموعة يحملون تلسكوبا، فإنك ستحظى بفرصة رؤية الكوكبين بتفاصيلها معا وبنظرة واحدة.
وبسبب وجود حظر جائحة كورونا، فستنظم بعض الجمعيات بثا حيا لهذه الظاهرة عبر قنواتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وسيقوم أفراد برصد الظاهرة في مجموعات صغيرة هنا وهناك في الوطن العربي وفي كل دول العالم أيضا، فهذا الحدث مرتقب من قبل الهواة ولا يفوّتونه عادة إلا لأسباب قاهرة كالغيم والمطر.
هل يطلع نجم أحمد؟
في السنة التي ولد فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، تروي الأحاديث أن يهوديا في يثرب (المدينة المنورة) صعد فوق حصن ونادى بأعلى صوته “يا معشر يهود! طلع الليلة نجم أحمد الذي وُلِدَ به”، وهي البشارة التي وردت في كتبهم بولادة نبي آخر الزمان. اعلان
وقبل ذلك بحوالي 600 عام، كانت ولادة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وظهر في السماء نجم ساطع سجلته كتبهم المقدسة وعرف بـ”نجمة بيت لحم” التي لا يزال الجدل محتدما عالميا حول تفسيرها، أكانت ظاهرة فلكية، أم كانت مجرد معجزة تظهر عند ولادة الأنبياء الكرام عليهم السلام؟
يؤكد بعض الباحثين الفلكيين وفي مقدمتهم الفلكي التراثي البروفيسور العراقي وفيق شاكر رضا (رحمه الله) أن لظاهرة الاقتران الأعظم علاقة مباشرة بتفسير ظاهرة نجمة بيت لحم أو نجم أحمد.
وذلك حين يقترب الكوكبان من بعضهما بعضا بحيث تتداخل موجات أشعتهما تداخلا بنّاءً لتعطينا سطوعا لحظيا فائقا لا يتكرر بعد ذلك، كون الجرمين يتحركان في السماء وبالنسبة لبعضهما بعضا، فهي إذًا ظاهرة لحظية ربما يراها كل الذين يشاهدون هذين الجرمين في تلك الساعات.
وثمة تفسير آخر للظاهرة في حال أنها لم تكن معجزة لا يُعرف سببها، وهو ظهور كرة نارية -شهاب كبير ساطع- استمرت لنصف دقيقة أو أكثر، حيث إنها دخلت الغلاف الجوي باتجاه الراصدين لها مباشرة، فلا يرون لها ذيلا ولا تغيّرا في السطوع، وهي ظاهرة يعرفها راصدو الشهب، لكن بلمعان أقل وسطوع أخفت.
كما أن لبعض الفلكيين افتراضات أخرى يعزون إليها هذه الظاهرة، وهي أن يكون ذلك النجم مذنبا، أو نجما انفجر على شكل سوبرنوفا (Supernova)، وهما تفسيران غير مقبولين كون الظاهرتين لا تختفيان من السماء قبل بضعة أيام وربما أسابيع.
فما حقيقة نجم أحمد إذًا، وهل ستتكرر الظاهرة يوما ما؟
الله أعلم.. ونحن عنها باحثون.
المصدر : مواقع إلكترونية