سؤال يطرح نفسه.. هل يرفض الأمريكيون أن تقودهم امرأة؟
من الملاحظ أنه منذ أول انتخابات رئاسية، لم تصل أي امرأة لكرسي الحكم في الولايات المتحدة .
في العام 2016، علق الكثير من الأمريكيين سيما النساء والمدافعين عن مبدأ المساواة بين النساء والرجال، آمالا كبيرة على فوز هيلاري بحكم تجربتها السياسية الكبيرة.
وفي العام 2024، علقت نفس الآمال على هاريس لكسر هذه القاعدة خاصة وأن ترامب -كان مبدئيا – في حالة ضعف، إذا أخذنا بعين الاعتبار كل الدعوات القضائية التي تطاله.
هل الأميركيون مستعدون لانتخاب امرأة رئيسة؟
سؤال بمليون دولار! يطرح باستمرار بعد هزيمة كامالا هاريس. فجان سينزدك مديرة المركز للنساء والسياسة الأمريكية في معهد إيغلتون السياسي في جامعة روتجرز بولاية نيوجيرسي تؤمن بذلك إذ تقول: «نعم، الأمريكيون مستعدون لانتخاب امرأة رئيسة، لكن لم يكن الوقت مناسباً”.
لكن الواقع يبين عكس ذلك، فخلال أقل من عقد، ينجح المرشح الجمهوري “دونالد ترامب”، مرتين في هزيمة مرشحتان للحزب الديمقراطي.
ففي عام 2016، فاز ترامب بفارق قليل على هيلاري كلينتون، المرشحة المحنكة التي كانت على التوالي، السيدة الأولى للولايات المتحدة، ووزيرة الخارجية خلال حكم باراك أوباما. فهيلاري كلينتون فازت في التصويت الشعبي، وخسرت في المجمع الانتخابي.
وفي سنة 2024، جاء الدور على كامالا هاريس نائبة الرئيس بايدن والتي فاز عليها ترامب بفارق مهم، بعد حملة غير مسبوقة سقطت خلالها كل الالتزامات الأخلاقية والاحترام بين المرشحين، وتميّزت بالترشح المتأخر لهاريس في يوليوز 2024 إثر انسحاب الرئيسالسابق جو بايدن بدافع المرض والشيخوخة.
إلى متى امرأة في رئاسة الولايات المتحدة؟
تُظهر بيانات من انتخابات 2016 أن الديمقراطية هيلاري كلينتون هُزمت على يد دونالد ترامب، لكنها فازت في التصويت الشعبي، فالمشكلة كانت إذا في المجمع الانتخابي، الذي لم يرشحها للفوز.
السيناريو لم يتكرر مع كامالا هاريس، التي خسرت ليس فقط في الانتخابات، بل أيضاً في التصويت الشعبي، ويرى بعض المحللين أن هناك المزيد من الحواجز أمام النساء في السياسة، وخاصة المرأة المنتمية للأقليات العرقية.
لكن جنس المرشحة الديمقراطية لم يكن العنصر الرئيس في انتخابات 2024، فالأمر يظهر جليا للمتابعين للشأن السياسي الأمريكي.
فالاستفتاء لم يكن على النوع بقدر ما كان على ما يمثله ترامب والتغيير الذي كان يطالب به الناس، بل كان الاستفتاء بشكل أكثر على حكومة بايدن-هاريس. فهزيمة هاريس مرتبطة بشكل وثيق بعدم رضا الناس عن الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة جو بايدن، التي كانت كامالا هاريس نائبة له.
وتبعا لذلك، يمكننا القول إن ترامب لم يكسب الانتخابات بل هاريس هي التي خسرتها.
فعندما هزم بايدن ترامب، كانت الولايات المتحدة في خضم جائحة، وكان الناس غير راضين عن رئاسة ترامب.
وبعد أربع سنوات، تحسن الاقتصاد، لكن تكاليف المعيشة ارتفعت بشكل كبير. ومع التضخم، بدأ الناس يشعرون بذلك أكثر في محافظهم المالية ويحمّلون الديمقراطيين المسؤولية.
إذن، كان التصويت اقتصاديا أكثر منه على جنس أو عرق المرشحة كامالا هاريس. ويرى بعض المحللين أن دعم حكومة بايدن اللا مشروط للحرب على غزة أسقط عليها قناع المبادئ الإنسانية وأفقدها أصوات الشباب الأمريكي المناهض لهاته الحرب، وكذا أصوات الجالية العربية، علما أن وعد ترامب بإنهاء الحرب ساهمت في وصوله للحكم.
الزجاجة الهشة
لا يتعلق الأمر بكون النساء لا يستطعن كسر السقف الزجاجي في البيت الأبيض، بل المشكلة تكمن في الظروف التي تم من خلالها إلقاء كامالا هاريس في هذا المنصب.
وهذا ما يسمى بـ “الهاوية الزجاجية”: وهو مفهوم يشير إلى أن الشركات والأحزاب السياسية تميل إلى تعيين امرأة في منصب حساس عندما تكون الوضعية شبه ميؤوس منها ولا يوجد ما يمكن خسرانه.
ففي اللحظة التي دخلت كامالا هاريس في السباق، كان من شبه المؤكد أن الديمقراطيين سيفقدون الانتخابات.
إن تغيير المرشح أعطى دفعة جديدة للحزب، فزادت شعبيتها، وكان السباق متقاربًا لفترة طويلة، لكن في النهاية أصبح الأمر صعبًا للغاية للأسباب التي ذكرناها سالفا.
ترشح ترامب كان استثنائياً
لقد كان ترشح ترامب استثنائياً، وبالتالي لا يمكن استخلاص أي استنتاجات حاليا حول هزيمة هيلاري كلينتون وكامالا هاريس ضده، ولا يمكننا من خلال ذلك تقييم فرص امرأة في الفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية.
لكن، ومن خلال بعض المعطيات كمثل هزيمة هاريس وكلينتون من قبلها، ما هي إلا مؤشرات على أن المجتمعات بكل طبيعتها سواءا كانت شرقية أم غربية تفضل – بما لا ليس فيه شك – منح القيادة للرجال أكثر من النساء.
فالولايات المتحدة التي تقدم نفسها كدولة لها أعراف وتقاليد ومبادئ في مجال حقوق المرأة، مازالت تعرف الكثير من حالات الاضطهاد خلف الكواليس في الميدان السياسي، وهذا ما اتضح جليا في 2016 مع المرشحة هيلاري كلينتون.