فاطمة المرنيسي، الأسطورة

- Advertisement -

نجية البودالي

الدكتورة نجية البودالي

كان يوم الاثنين 30 نونبر2015 يوما ثقيلًا للغاية، وكان من المرات القليلة التي فهمت فيها معنى كلمة “الجلل عظيم” المهيبة.

أراد الصمت أن يكون سيد اللحظة، فاطمة المرنيسيمجلة فرح تنظم: لقاء تكريمياً لفاطمة المرنيسي، شهرزاد المغربية تخلت عن الروح، مات جبل من الأطلس الكبير. لقد غادرت بنبل وكرامة وتواضع السيدة العظيمة فيها. كانت امرأة رائعة برؤاها وانعكاساتها وكتاباتها ومداخلاتها ذات الصلة.

كانت تتمتع بالمرونة والسهولة في تحويل نقاط الضعف إلى نقاط قوة وفرص للبناء والمضي قدماً مع استنزاف أي تآزر ممكن معها دون القلق بشأن اعتدالهم ومساهماتهم ومعرفتهم.

كانت فاطمة المرنيسي قوة مستوحاة من أصغر تفاصيل الكائنات والكون، وعقدها الأخلاقي يتعلق بالبناءات، ولا سيما تلك التي تدور حول “العقل”.

إنها الروح التي سمحت لنا بأن نجتمع معاً ونبني أنفسنا كتآزر مدني، حملت في داخلها انعكاسات حكيمة حول الحاجة إلى تنمية رأس المال البشري. وقد بدأت دينامية لإنشاء هياكل ملتزمة باحترام حقوق الإنسان مع العمل ضد مواطن الضعف الاجتماعية – الاقتصادية والثقافية. على سبيل المثال: مراكز الاستماع والإرشاد لحقوق المرأة، وهياكل لدعم سجناء الرأي، ومراكز دعم وبناء القدرات للمواطنين في العديد من مناطق المغرب.

كان إخراج الناس من عزلتهم هو مجال عملها، فقد تصرفت بذكاء ودقة تجاه نقاط ضعفهم وحساسيتهم.

ساعدت في تمويل العديد من التجارب لتشجيع براعة الفاعلين المدنيين، وخاصة العصاميين منهم. ويضاف إلى ذلك دعمها لصالات العرض ومواقع الاستقبال التي أقامها فنانون علّموا أنفسهم. استخدمت فاطمة ميرنيسي فنها وقوتها في التواصل لنسج روابط تبدو مستحيلة. وهكذا نشأ حولها مجال ينجذب إلى إمكانات مدنية قوية متعددة التخصصات ومتعددة اللغات ومتعددة اللغات.

كان من بين أبرز هذه الروابط القافلة المجتمعية او المدنية “caravane civique” الذي نظم في المغرب وأربع دول أخرى، هي إسبانيا وإيطاليا والبحرين وهولندا.

 أتاحت هذه الجلسات التي نظمتها المرنيسي المخصصة للحوار للجميع للتعبير عن أنفسهم، والتعرف على أنفسهم، وكذا التصالح مع أنفسهم. وكان ضيوف هذه الجلسات من مختلف الدول: السيد فيليبي غونثاليس (رئيس وزراء إسبانيا السابق)، والسيدة زانيلي مبيكي (السيدة الأولى السابقة لجنوب إفريقيا)، والدكتورة مي الخليفة (وزيرة الثقافة والحرف في البحرين)، والسيدة كارمن روميرو غونثاليس (عضو البرلمان الأوروبي)، والسيدة ديفاكي جاين إيكونوميست ذات الشهرة الدولية، وسفراء يمثلون عدة دول في المغرب، ومثقفون من آفاق مختلفة من إفريقيا ودول الخليج والولايات المتحدة وأوروبا والهند وأمريكا اللاتينية. لم تدعهم فقط للسياحة الثقافية ولكن بشكل خاص لأنها اكتشفت فيهم الطاقات المطلوبة للإنشاءات المستقبلية.

كما أصرت فاطمة المرنيسي على مشاركة الأشخاص الذين لديهم الدراية الفنية ولكنهم واجهوا عقبات تقف في طريق أحلامهم.

واعتبرت “caravane civique”  كمرحلة أولية للشراكات المحتملة بين حاملي الأفكار والممولين الذين تم توعيتهم بضرورة رعايتها لتقديم الدعم الكافي للمعنيين.

أرادت مشاركة أبرز ما حققته من نجاح مع أعضاء Synergie Civique. دعتهم إلى الاحتفالات الملكية المنظمة على التوالي في إسبانيا وهولندا لتقديم جوائزها. لقد أرادت إلقاء الضوء على دور الفاعلين المدنيين في تغيير المغرب وإمكانياتهم للحوار والتبادل والمشاركة.

وفي ذلك تقول في إحدى كتاباتها: “كل شخص لديه كنوز مخبأة في داخله. الاختلاف الوحيد هو أن البعض يتمكن من استغلالها بينما لا يفعل الآخرون. أولئك الذين يفشلون في اكتشاف مواهبهم الثمينة يشعرون بالتعاسة والحزن والحرج مع الآخرين، وغالباً ما يكونون عدوانيين. من الضروري تسخير موهبتك لتكون قادرًا على العطاء والمشاركة والتألق”.

يذكرني هذا الاقتباس بأول اجتماع لي مع فاطمة المرنيسي. كان ذلك في عام 1998، خلال ورشة عمل للكتابة نظمتها في الدار البيضاء لفائدة مجموعة من جمعيات حقوق المرأة. كان هدف ورشة الكتابة هذه يتمثل في إعداد كتاب جماعي، وفي نهاية الجلسة جمع المشاركون عناوين مساهماتهم في قائمة مخصصة لمشروع الكتاب الجماعي…

ولاحظت الراحلة أن عدد الحاضرين تجاوز عدد العناوين المدونة في قائمة الحاضرين، لتكتشف بأن العنوان المفقود هو بالفعل عنوان مساهمتي. اقتربت مني وذكّرتني بأن المشاركة في ورشة العمل مشروطة بالمساهمة في الكتاب الجماعي. شعرت بإحراج كبير عندها. وانتهت الجلسة بتعليمات “عدم المساهمة يعني أن الحضور غير الضروري”. كانت الورشة مليئة بالعاطفة والكاريزما، أحببت الجو كثيرًا، وللأسف كان علي أن أجد جواز السفر للوصول إلى الورشة الثانية.

 عندما وصلت إلى المنزل يومها، قضيت بداية المساء في كتابة قصاصات من الملاحظات التي مزقتها على الفور، مزقت صفحات فارغة تقريبًا. وفي الساعة السابعة صباحًا، كان نص مقالتي يحتوي بالفعل على أربع صفحات تحكي قصة تتناول واقع تجربة المرأة في المغرب. قررت إرسالها إليها عبر الفاكس، وبعد خمسة عشر دقيقة، رن هاتفي، لأسمع صوتها يقول: لقد تأخرتِ، لقد كنت أنتظر هذه الورقة منذ السادسة صباحًا!

  بعد أسبوع، وزع هذا النص الذي اعتبرته تافهاً.

لحظة لا تُنسى. من خلال نصي، حولت موضوع ورشة العمل المخصصة للكتابة إلى مناقشة حول تحليل العوائق الخيالية التي نبنيها ضد قدراتنا والأحكام السلبية التي يضعها كل فرد ضد نفسه. لم تتوقف عند تحليل الحقائق، لكنها حددت الحلول الرئيسية والعلاجات العادلة ضد تدمير الذات.

لقد حملت فاطمة المرنيسي في داخلها روحاً حرة لا تعرف الكلل، ولم تتعب أبدًا من الأدوار غير العملية للقاء أشخاص بحاجة إلى الدعم.

لدي دائمًا لحظات عاطفية في ذكرياتي. مرات عندما رافقتها في رحلتها (مارس 2003) لمقابلة النساجين من تزناخت (أكبر النساجين يجا ومباركة راجي وفاطمة وحبيبة وغيتة. استغرقت الرحلة ثلاث ساعات صعبة للوصول إلى آيت وغردي الواقعة على بعد 30 كيلومترًا من تزناخت. كانت إحدى المغامرات السحرية.

 من هناك، ولدت فكرتها عن المعرض المدني، والهدف منها هو السماح برؤية خبرات هؤلاء النساء اللاتي اعتبرتهن “فنانات” وتقليل عزلتهن.

لقد أعادت إحياء التآزر مرة أخرى لإقامة معرض ومبيعات ومساحة لبناء القدرات للنساجين للخروج من منطقة تازناخت.

فكرة ركزت على دينامية تسمح بالحفاظ على تراث الأجداد “السجادة المغربية”، وقادرة على استنزاف التنمية الاجتماعية والاقتصادية لهذه المنطقة.

وهكذا، في 29 دجنبر 2007، شرع الملك محمد السادس في وضع الحجر الأول لبناء هذه المساحة مما سمح بتحسينٍ واضح للحياة اليومية لهؤلاء النساجين وعائلاتهم.

صديقتي العزيزة فاطمة المرنيسي رحمك الله.

“إلى كل أولئك الذين يشعرون أن حياتهم قد تغيرت من خلال مقابلة الأسطورة فاطمة المرنيسي”…