أحيي جميع الصانعات المغربيات، على مواهبهن وبراعتهن وروح الإبداع التي يتمتعن بها.
تحيات حارة من العاصمة الكندية أوتاوا،
مساء الخير، وأطيب التحيات لجميع الشخصيات المتميزة المشاركة في هذه المائدة المستديرة التي ستتناول الاستراتيجيات المتعلقة بالتربية على حقوق المرأة.
بداية، أود أن أحيي بحرارة السيدة فوزية طالوت المكناسي، رئيسة شبكة الصانعات بالمغرب (دار لمعلمة) التي بادرت بتنظيم هذه المائدة المستديرة، ومن خلالها، أحيي جميع الصانعات المغربيات، على مواهبهن وبراعتهن وروح الإبداع التي يتمتعن بها.
كما أود أن أحيي السيدة كنزة الشرايبي، رئيسة جماعة سيدي بليوط، وأهنئها بالمناسبة على المنصب النبيل الذي تشغله. تحياتي وإعجابي أيضا بالأستاذة والناشطة الدؤوبة في مجال حقوق المرأة، السيدة فاطنة سرحان، وللسيد المستشار جون توشيت، الذي يمثل صديقتي وزميلتي، سفيرة كندا بالمغرب، السيدة نيل ستيوارت.
وأغتنم هذه الفرصة السعيدة، التي تصادف الاحتفال، هذه السنة، بذكرى مرور ستين عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وكندا، لأحيي التزام بلدينا بتعزيز حقوق النساء وتطوير ورفع مستوى قدراتهن.
وبصفة عامة، ومنذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عرش أسلافه المجيد، التزم المغرب بحزم وثبات بتحقيق مبدأ المساواة بين الجنسين
أتشرف بالحضور معكم لتقاسم بعض الأفكار حول الموضوع الذي تم اختياره لهذا اللقاء، في الوقت الذي نستعد فيه للاحتفال في بداية شهر مارس باليوم العالمي للمرأة، وهو حدث تحتفل به جميع دول العالم، بما في ذلك بلدنا الذي خصص يومًا آخر للاحتفال بالمرأة المغربية في 10 أكتوبر من كل عام.
وهما فرصتان جيدتان للنقاش وتبادل الأفكار وتقييم المنجزات، وإبراز دور المرأة ومساهمتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدنا. كما تشكلان أيضًا مناسبة سانحة لرصد الاختلالات والنقائص، وتحسين ما تمكن تحسينه في مجال المساواة بين الجنسين ووضعية المرأة بشكل عام.
ولا شك أننا نتفق جميعاً على أن المساواة هي إحدى ركائز حقوق الإنسان. ولا يمكن كذلك إنكار أن المرأة المغربية استطاعت كسب عدد من الحقوق بعد تعديل مدونة الأسرة سنة 2004.
وبصفة عامة، ومنذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عرش أسلافه المجيد، التزم المغرب بحزم وثبات بتحقيق مبدأ المساواة بين الجنسين من خلال ترسانة من التشريعات والقوانين التي اعتمدتها المملكة، وفي مقدمتها دستور سنة 2011، كأسمى قانون للبلاد، الذي كرس مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المغاربة.
كما استمر هذا التطور سنة 2015 باعتماد قوانين تنظيمية متعلقة بالجماعات الترابية، وبالميزانية المراعية للفوارق بين الجنسين، وكذلك تلك المتعلقة بالبروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وفي سنة 2016، تم اعتماد القانون المتعلق بالعاملات والعمال المنزليين، والقانون التنظيمي لهيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع، إلى جانب القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2018.
هذه الترسانة القانونية تم إثراؤها بمختلف الاستراتيجيات والخطط والبرامج الحكومية التي اعتمدتها ونفذتها عدة وزارات، من خلال مأسسة مقاربة النوع وإنشاء نقاط اتصال داخل الإدارات والمؤسسات التابعة لها. كما تم إثراؤها بالعديد من الدراسات والتقارير والآراء الصادرة عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
نهنئ أنفسنا أيضًا بتقلد العديد من النساء لمراكز وزارية في الحكومة المغربية، بما فيها حقائب وزارية تقنية
لست يقينا خبيرة في هذا الشأن، ورأيي مبني، ببساطة، على تجربتي كامرأة مغربية، ومساري وخبرتي المهنية والميدانية، مما يسمح لي أن أجزم أن هذا التطور كان له بالتأكيد أثر إيجابي على المرأة وعلى مساهمتها المتزايدة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمملكة.
ويحضرني، في هذا الصدد، نموذجان أساسيان: أولهما، القانون التجاري الجديد الذي ألغى شرط موافقة الزوج للمرأة في ممارسة أنشطة تجارية. والثاني هو التطور الحاصل في مجال التمثيل السياسي للنساء في البرلمان، الذي انتقل من امرأتين في برلمان سنة 2002 إلى 96 امرأة في الولاية التشريعية الحالية. ورغم أن هذا الرقم يبقى غير كافٍ، إلا أنه يشكل رقمًا قياسيًا في تاريخ مؤسستنا التشريعية.
كما يجب أن نهنئ أنفسنا أيضًا بتقلد العديد من النساء لمراكز وزارية في الحكومة المغربية، بما فيها حقائب وزارية تقنية، التي اقتصرت في الماضي على الرجال (الاقتصاد والمالية، والانتقال الطاقي، والإسكان).
كما يسعدنا رؤية نساء مغربيات يشغلن منصب عمدة ثلاث مدن رئيسية مغربية، وأخريات على رأس عدد من البلديات. ولدينا حاليًا العديد من النساء يشغلن منصب قنصل عام، وأكثر من 20 سفيرة ورئيسة بعثة دبلوماسية يمثلن جلالة الملك في عواصم مرموقة مثل واشنطن، ومدريد، وبرلين، وأوتاوا، وأديس أبابا، والفاتيكان، وغيرها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، هذه الإنجازات لم يكن من الممكن تصورها قبل خمسة عشر أوعشرين عاماً، حيث لم يكن بإمكان أي امرأة دبلوماسية تنتمي إلى وزارة الخارجية أن تحلم بأن تكون سفيرة، لأن الدبلوماسية حينها ظلت، ولفترة طويلة جدًا، مجالًا حصريًا للرجال، حتى في أكثر الدول الغربية تقدمًا في مجال حقوق المرأة. إنها بالتأكيد دينامية جديدة وجب علينا توطيدها والمحافظة عليها.
المساواة بين الجنسين تظل مرهونة بعدد من الاختلالات الاجتماعية، وبمقاومة ذات طابع ثقافي واجتماعي
وإذا كانت الحصيلة إيجابية، فمن المؤكد أنها لا تزال أقل من توقعاتنا وطموحاتنا. وإذا كانت الإصلاحات التي تم القيام بها إيجابية والتقدم المحرز ملموسًا وحقيقيًا، فإن المساواة بين الجنسين تظل مرهونة بعدد من الاختلالات الاجتماعية، وبمقاومة ذات طابع ثقافي واجتماعي، باعتبار الوضع القانوني للمرأة انعكاس للتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي لأي مجتمع من المجتمعات. وتظل الأوراش مفتوحة لترسيخ وتعميم ثقافة المساواة بين الرجل والمرأة داخل المجتمع المغربي.
وفي الواقع، هناك نوع من عدم المساواة ناتج عن الوضع الاجتماعي، والاقتصادي، وتأثير التقاليد، والأمية، والفقر، ويتجلى مثلا، في صعوبة ولوج سوق العمل، والتفاوت في الأجور، والتمثيل في الهيئات السياسية، وهيئات صنع القرار، وفي الشركات، وتعليم الفتاة، والهدر المدرسي، والعدد المتزايد من تزويج القاصرات، على الرغم من القوانين، وآفة العنف ضد المرأة، والتحرش….
السيدات والسادة الحضور الكرام،
في رأيي المتواضع، ليس مقبولا أن تكون المساواة بين الجنسين في مجتمعنا شعاراً مؤقتا، يجب أن يتم تأسيسها كضرورة مطلقة تساهم في تنمية ورفاهية الإنسان وكذلك في التنمية السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية والبيئية لبلدنا. ومن هنا تأتي أهمية الحفاظ على المنجزات، والعمل على ترسيخ احترام حقوق المرأة بين جميع مكونات مجتمعنا، من خلال الإصرار على التربية والعمل على تغيير العقليات.
ومن جهتي، ووفقا لطبيعتي، سأظل متفائلة بخصوص مستقبل المرأة المغربية بالنظر إلى العناية المولوية السامية التي يوليها صاحب الجلالة، نصره الله، لتنمية المرأة المغربية وتحسين وضعيتها، إلى جانب العمل الذي تقوم به النساء المغربيات اللواتي يناضلن من أجل الدفاع عن حقوق المرأة وتحسين وضعها والمساواة بين الجنسين.
أشكركم على اهتمامكم وأتمنى كل النجاح لكم ولهذه المائدة المستديرة.