سلوى الشودري: إكليل الأغنية الطربية بالمغرب

- Advertisement -

علاء البكري

في زمن الرداءة وتفاهة الكلمة التي باتت تسيطر على أغاني العصر الحديث، وفي زمن غدا فيه اللحن الجميل العذب الممتزج بحلو المعاني عملة نادرة، أصبح للغناء بالفصحى للغناء بالفصحى حضوره الخاص وقيمته النفيسة، بعد أن أوشك أن يفقدها في موجة الكليبات الهابطة والأغاني الخالية من الهدف والمعنى.

فلطالما كان للأغاني بالفصحى ذوقها الخاص، فهي دائما ما تثير مشاعرنا وتحركها، سواء تعلق الأمر بالأغنية العاطفية أو الوطنية، فهي تُعزفُ على على وتر الوجدان فتُرسل شحنة من الأحاسيس المختلطة والتي أحيانا ما تكون سبيلنا الوحيد للخروج من قاع “السخافة” التي أمست تحيط بنا، وأضحت لصيقة ب”الثقافة”. لهذا وذاك أردت تسليط بعض الضوء على فنانة  آمنت أن الفصحى إذا تسللت إلى شيء بسيط أغنته وأضافت إليه من الزينة والجمال ما يسمو بروحك إلى الأعلى.

لقد باتت الساحة الفنية المغربية اليوم تعُجُّ بعدد كبير من المطربين في مختلف الألوان الغنائية، وتتنوع هذه الألوان الغنائية حسب الألحان والكلمات والأداء، ولكل فنان أو مطرب أسلوبه وطريقته الخاصة في الغناء تمكنه من جذب الجمهور والمتتبعين. لكن دائما ما يكون هناك فنان مفضل ذو صوت حساس وأداء مرهف يشكل استثناء في المجال الفني. هذا الصوت يمتلك خامة عالية تجعله يبدع في أداء جل المقاطع الصعبة والناجحة خاصة إذا تعلق الأمر بالطرب العربي الأصيل الذي يحتاج إلى ضبط قواعد المقامات والإلمام بكل ما يتعلق بها. وخلال السنوات الماضية برزت بمغربنا الحبيب فنانة قديرة ذات صوت  عذب شجي استطاعت أن تصدح بصوتها وأدائها  فوق سماء الأغنية الطربية الأصيلة عبر أدائها لعدة مقاطع شعرية لشعراء قدامى ومحدثين، كما أنها زاوجت في بعض أعمالها الفنية بين اللغة العربية الفصحى والعامية المغربية.

ولما كانت اللغة العربية الفصحى أكثر اللغات تأثيرا وتوضيحا للمشاعر، وأكثرها تعبيرا عن العديد من الجوانب والموضوعات، كالأعياد والأمومة والطفولة والوطن، فإن فنانتنا القديرة تشبثت بهذه اللغة والتزمت بها لملامسة قضايا الوطن والأمة. ولا تنتقي من المقاطع الشعرية إلا ما يعالج هذه القضايا، كما جعلت ممن يسمع صوتها يحس بنوع من التفرد والإبداع والتميز في أدائها، سيما وأنها جمعت بين الطرب والتلحين والبحث الموسيقي.

إنها ابنة الحمامة البيضاء، تطوان، ذات الأصول الأندلسية الموريسكية، عاشقة الشعر والأدب والفن، الفنانة المغربية سلوى الشودري التي زهدت في الشهرة من أجل القيم والمبادئ. فغنت للمرأة ومن أجلها، وللطفولة المغتصبة وحرمانها، وغنت عن رسولنا الكريم وللذَّود عنه، وغنت من أجل القضايا الوطنية والقومية الكبرى في وطننا العربي. وقد عرفت الفنانة سلوى الشودري بهذه النوعية من الاغاني الملتزمة بقضايا المجتمع و تقول في تصريح لها: “إن الفن يجب أن يضع يده على مكامن الضعف والقضايا التي تعيق التطور والنجاح في مجتمعنا ويجب أن يعمل ويجتهد مع كل المسؤولين في بناء أبناء هذا الوطن”.

نبذة:

الفنانة والمطربة سلوى الشودري من مواليد 15 يونيو 1967 بالمدينة الأندلسية تطوان، خريجة المعهد الموسيقي في كل من المعهد الموسيقي بالرباط وتطوان لمادة الموشحات والصولفيج، لها أعمال متميزة كثيرة، منها أداؤها قصائد لشعراء بصموا المتن الشعري العربي من قبيل:”بانت سعاد” لكعب بن زهير؛ “وا حر قلباه” لأبي الطيب المتنبي؛ “النائمة في الشارع” للشاعرة العراقية نازك الملائكة والتي عالجت من خلالها موضوع أطفال الشوارع؛ وقصيدة “صرخة” للشاعرة المغربية دنيا الشدادي التي أفصحت عبرها عن الظلم والفواجع والانكسارات التي تتعرض لها المرأة. كما أدت أغنية “إلا رسول الله” تعقيبا على الرسومات الكاريكاتورية التي أحلها الغرب باسم الحرية، وآخر عمل لها كان تحت اسم “يا غيمة الآفاق” للشاعر حسن مرصو، وهي أغنية موجهة للأطفال جمعت فيها سلوى الشودري بين اللغة العربية الفصحى والطقطوقة الجبلية.

هذا وشاركت فنانتنا المقتدرة في العديد من المهرجانات الوطنية والدولية، وتألقت على مسارح كبيرة كدار الأوبرا المصرية، ومعهد العالم العربي بباريس. وبالموازاة مع كونها فنانة ومطربة وباحثة وأستاذة في المعهد الموسيقي بتطوان، فإن سلوى الشودري تعتبر ناشطة أيضا في المجتمع المدني وهي رئيسة الجمعية المغربية للتنمية الثقافية والاجتماعية، كما أن العديد من أغانيها تنم عن الروح النضالية من أجل طفولة أكثر إشراقاً، وغدٍ أكثر اخضراراً…