مظفر النواب…وداعا  شاعر الثورات والشجن

- Advertisement -

عـلاء الـبـكري

نعت الأوساط الأدبية والشعرية والثقافية العراقية والعربية الشاعر العراقي مظفر النواب الذي توفي في أحد مستشفيات دولة الإمارات عن عمر يناهز 88 عاما، بعد صراع مرير مع المرض، وفق ما أكده مدير عام دائرة الشؤون الثقافية عارف الساعدي لوكالة الأنباء العراقية.

وبدوره نعى الرئيس العراقي برهم صالح في تغريدة عبر تويتر الشاعر النوّاب قائلا: “يبقى حيّاً في ذاكرة الشعب مَن زرع مواقفه السياسية والوجدانية بشكل صادق”. وأضاف : “هو حيّ في ذهن كل مَن ترنم بقصائده الخالدات”.

كذلك علق وزير الثقافة العراقي حسن ناظم عن وفاة النواب في بيان وصفه فيه بأنه “من الأصوات الشعرية العراقية وأن رحيله يمثّل خسارة كبيرة للأدب العراقي لما كان يمثله كنموذج للشاعر الملتزم، كما أن قصائده رفدت المشهد الشعري العراقي بنتاجٍ زاخر تميز بالفرادة والعذوبة”.

وكتب البرلماني السوري السابق، رمزي معلوف: “ﻣﺎﺫﺍ ﺳﻴﺤﺼﻞ ﻟﻮ ﺗﺤﻮﻟﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﻼ‌ﺩ؟ ﺃﻧﺎ ﺑﻐﺪﺍﺩٌ ﻭﺃﻧﺖَ ﺍﻟﻘُﺪﺱ، ﻳﻤﻴﻞُ ﺭﺃﺳﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻚ ﻗﻠﻴﻼً ﻓﺘُﺰﻫﺮ ﺩِﻣﺸﻖ ﻭﻳﺴﺘﻘﻴﻢَ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ. مظفر النواب البقاء للأمة”.

ويذكر أن مظفر عبد المجيد النواب شاعر عربي ذائع الصيت والشهرة، عرفته عواصم الوطن العربي شاعرا منفيا مشردا يشهر أصابعه بالاتهام السياسي للأنظمة العربية على حد سواء. وولد مظفر بجانب الكرخ في بغداد في الأول من يناير عام 1934 لعائلة شيعية أرستقراطية من أصل هندي تقدر الفن وتهتم بالشعر والموسيقى، وقد تأثر مظفر بعائلته منذ صغره، سيما وأن القصر الذي كان يقيم به رفقة العائلة كان محجا للندوات الثقافية وتقاد في بلاطه الاحتفالات بالمناسبات الدينية والحفلات الفنية على مدار العام. وهو الأمر نفسه الذي جعل من مظفر واحدا من أشهر شعراء العراق في العصر الحديث فيما بعد. وأثناء دراسته في الصف الثالث الابتدائي اكتشف أستاذه موهبته الفطرية في نظم الشعر وسلامته العروضية ، وفي المرحلة الإعدادية أصبح ينشر ما تجود به قريحته في المجلات الحائطية التي تحرر في المدرسة والمنزل كنشاط ثقافي من قبل طلاب المدرسة. وكان قد تخرج  من كلية الآداب في جامعة بغداد، واشتهر بقصائده الثورية والمثيرة للجدل، بعدما أمضى سنوات طويلة متنقلا بين جدران السجون وبراثن الغربة القاتلة.

وعرف النواب بمعارضته للحكومات العراقيةّ، ما تسبب في ملاحقته أمنيًا، وسجنه لعدة سنوات، ثم لجوئه للعيش في بعض العواصم العربية ومنها بيروت، وبعض البلدان الأوربية إلى أن استقر أخيرا بالعاصمة السورية دمشق وكرّس وقته بعد ذلك لنظم الشعر والتعمق به وتوسيع نطاق خبراته متبنيا القضايا السياسية التي أثرت به وهشمت مشاعره الوطنية والقومية.

وأقام مظفر النواب العديد من الأمسيات الشعرية وكان مهتما بالقضايا االاجتماعية والقومية والسياسية الخاصة بالعرب، وله العديد من القصائد التي نالت نصيبا كبيرا من الشهرة مثل قصيدة “قمم” والتي يقول في مطلعها:

“قمم

قمم..

معزى على غنم

جلالة الكبش

على سمو نعجة

على حمار

بالقدم

وتبدأ الجلسة

لا

ولن

ولم

ونهي فدا خصاكم سيدي

والدفع كم؟!

ويفشخ البغل على الحضور

حافريه

لا . نعم”

وقصيدة “بنفسج الضباب”، و”رسالة حربية عاشقة”، و”في الحانة القديمة”، و”جسر المباهج القديمة”، و”اللون الرمادي”، و”زرازير البراري”، و”بيان سياسي”، و”جرس عطلة”، و”بكائية على صدر الوطن”، و”قل هي البندقية أنت”، و”من بيروت” وقصيدة “السلخ الدولي وباب الأبحدية” والتي جاء في مطلعها:

“ولكن كلها خلل

ذئاب كلما سمت جريحا

بينها أجل

أطالت من مخالبها

وصارت فيه تقتتل”.

وتناولت قصائده مواضيع عدة حيث حمل بعضها قليلا من تجربته الشخصية مع الحكم والحزب الشيوعي في العراق ومع الأنظمة العربية، وقد تمحورت بعض قصائده حول شخصيات مقصودة، وعالجت قصائده الأخرى موضوع المرأة والجسد والإنسان بشكل عام وعلاقته مع الله عز وجل، بينما خص في بعض قصائده فلسطين والعدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة.

لقد كرس مظفر النواب حياته لتجربته الشعرية وتعميقها ، والتصدي للأحداث السياسية التي تلامس وجدانه الذاتي وضميره الوطني، إلا أنه كابد في أيامه الأخيرة وضعا صعبا في ظل عجزه عن الحركة بسبب الأمراض العديدة التي عانى منها إلى أن وافته المنية صباح هذا اليوم.