شهادة عبد الله كنون : خناثة بنونة

- Advertisement -

عبد الله كنون خناثة بنونة .

ظاهرة غريبة في أدبنا الحديث، يلاحظها القارئ والناقد معا، وهي عدم مساهمة العنصر النسوي في إنتاجه، بالرغم من تفتح آفاق المعرفة أمام المرأة المغربية، ومشاركتها للرجال في بناء المجتمع الجديد منذ فجر النهضة. هل ذلك لأن الأعمال الأدبية لا تستهوي المرأة عندنا ؟ هذه فتاة رائدة جندت نفسها لخدمة الكلمة، ولم تعرف انقطاعا ولا فتورا، فلم تلبث أن تردد اسمها في الأوساط الأدبية، وهي اليوم تقدم لنا كتابا من براعتها يحمل اسم ليسقط الصمت. إنه اسم معبر، أرادت به الآنسة خناثة بنونة أن تخرق حجاب الصمت الذي يلف المرأة المغربية ولتبرهن على إمكانيتها في معركة الحرف. عبد الله كنون خناثة بنونة

والآنسة خناثة بنونة أديبة من الجيل الصاعد الذي نبغ في عهد الاستقلال. ومنذ لمع نجمها وهي تتحفنا بزهرات منثورة من أدبها الغض. وقد أنشأت مع رفيقات لها مجلة نسوية وأطلقت عليها اسم شروق، يرمز إلى معنى الانبعاث والتطلع والنهوض. فأعمالها تهدف إلى غاية تداريها أحيانا بالأسلوب الرمزي، وتثور أخيانا فتصرخ بها في غير مُوَارَبَةٍ ولا تَحذلُق. وإذا فنحن بإزاء كاتبة ثائرة، ولكني أحسب أن ثورتها إنما هي فورة الشباب وحماسة الريادة، ومن منا لم يثُر في سن التفتح وانطلاقة الوعي الأولى؟ نعم، إنها ولا شك كاتبة ملتزمة بقضايا جنسها ومجتمعها المتخلف، ومن أجل ذلك أنشأت مجلة شوق وأصدرت كتابا ليسقط الصمت وهو كتاب من أدب القصة، يتناول موضوعاته من صميم الواقع المغربي والعربي، هذا الواقع الذي ترفضه الكاتبة وتعتبره مسخا للإنسانية وتزييفا للمُثل والأخلاق، ومن ثم فهي تتداعى مع أفكار الطوباويين وأحلام الفلاسفة التي لم بجد المصلحون من قديم الزمن عزاء فيما عداها.

وليس في موضوعات ليسقط الصمت قضية كبرى تستعصيى على العلاج باستثناء قضية فلسطين  التي أذابت الكاتبة حبة قلبها تحسرا عليها، وباقي الموضوعات من القضايا الصغيرة المرتبطة بالنفاق الاجتماعي والعبث والضياع، ولذلك قلت في ثورتها إنها ثورة شباب أكثر ما يؤججها صفاء النفس ورهافة الحس، وناهيك بهما عند فتاة رفيعة التهذيب مثل كاتبتنا. والذي يلفت النظر في الكتاب هو الأسلوب الجميل الغني بالتلاوين والملئ بالرموز، ولم يضع هذا الأسلوب للآنسة خناثة بنونة فلم يخنها في صفحة من صفحات الكتاب مما يدل على تمكنها منه وأنه يوشك أن يكون فنها التعبيري المفضل. وقد ذكرني بأسلوب الآنسة مي زيادة التي أتمنى لكاتبتنا أن تخطو خطواتها في مجال النبوغ والإبداع وأعيذها من نهايتها المحزنة.

وكنت أريد أن أحلل أحد قصص الكتاب، واخترت بالفعل قصة لمسة، ولكنني رأيت ذلك يطول، وربما حُمل على غير محمله، والمقصود على كل حال بهذه الكلمة ليس هو التشجيع، فخناثة بما عندها من استعداد وطموح في غنى عن التشجيع ولكنه الإنصاف لها ممن يريد منها ما أراده المتنبي من زمنه في قوله :

           أريد من زمني هذا، أن يبلِّغني       ما ليس يبلغه من نفسه الزمن

 

ليسقط الصمت
ليسقط الصمت ( 1967 ) – دار الكتاب – البيضاء