شهادة عبد الجبار السحيمي : خناثة بنونة

- Advertisement -

عبد الجبار السحيمي خناثة بنونة .

في رثاء الأحلام المجهضة

((أريك الرضى

لو أخفت النفس خافيا

ولا أنا عن نفسي

ولا عنك … راضيا))

أيتها الطالعة من رياض، أندلس ضاعت

وضيعنا بوصلة الطريق إليها

شقيقة روحي؟

إذ أكتب عنك، أحاول أن أستعير لغة غير اللغة التي قيدتها دروس النحو الواضح وقواعد الإملاء.

واحذف ماسبق.

صديقتي.

أعترف أنني جمعت كل كتبك لأشارك هذا اللقاء الكريم، صففتها أمامي، أقرأ العناوين، وفي كل منها إحالات على الزمن الذي كان والزمن الكامن فيه إلى ميعاده الموقوت، ثم دسست عيني في الصفحات أعاود من خلالها اكتشاف الأطروحة التي انطلقت منك من أول لثغة كلام مهمومة بالذات الجماعية لكنني سريعا:

((فمن قصد البحر استقل السواقيا))

وأنت أنت البحر.

وكل هذه الكتب سواقي تنفجر منك.

وأنا لست ناقدا… ولا ينبغي لي.

سوف يجتمع النقاد اليوم أو ذات يوم، يفترسونك بمبضع جراح لا يسلم الشرف لديه، حتى يريق دم الكلمات.

هل قرأوا ما بين الحرف والحرف؟

ما بين الكلمة والكلمة؟

هل قرأوا، الأبعد والأعمق في ثنايا وجعك الذي لا يكتب ولا تستطيعه الكلمات وتطلقينه آهة، صرخة في الملكوت الأعلى؟

اأما أنا، فكما علمت أعيذ نفسي أن أسجنك في قفص قصة أو قيد رواية،

أعرف أنك جنية مسحورة بالفضاءات الرحبة، وأعرف أن كل ما كتبت هو ما قبل الكلام الذي تستمرين حبلى به، تخافين عليه من الأضواء المصطنعة ومن عيون عاجزة عن قراءة وجه الشمس.

أعرفك في الصمت وفي الصمت.

عبد الجبار السحيمي خناثة بنونة
عبد الجبار السحيمي

تبدعين مطلع كل فجر، خناثة التي تحضنين داخلك.

ما علينا، تقولين لها “أطاعن خيلا من فوارسها الدهر”

ليسقط الصمت… النار والاختيار.

العاصفة… الغد والغضب.

ليس السيف ما ينقصنا، لكن اليد قد امتدت إلى دنيا تصيبها.. وإلى وال تتدثر في سلهامه.

كتبتِ، كتبت.

وتكتبين.

لكن صمتك سيد الأدلة وسيد الكلام.

أعرف أن كل رصاص إسرائيل، منذ الوعد، اخترق جسدك الطفل، لكنه لم يقتل عنادك الذي تجسدين به، عناد ومكابرة كل هذه الأمة التي كل ما انافضت روحها أجهضها الأئمة.

حلمك عصي على الاختراق.

وأستعير هتافك المبثوث في كل زوايا قلبك، “الأنت”.

هتاف يؤثت هذيانك الصاحي، وليس لهذه الأنت، تجسيد لا في الورق ولا في وجوه الناس، لأن “اليا.. أنت” تطلقينها نداء في البرية. خطابا لما ومن لا يتكسر ولا يتبدل ولا يسقط. خطابا لما يأتي ولمن يأتي، لمعتصمك الذي سيطلع من رحم أمة يتململ زلزالها، وحينئذ كل يقرأ كتابه:

عبد الجبار السحيمي خناثة بنونة

((أحلما نرى أم زمانا جديدا))

وكتبت، كتبت، تكتبين. لكنك تعرفين ويعرف أحبابك وأصحابك ورفاق رحلتك، أن جنينك الأبهى متخلق داخلك، فقد حفرت صخور كل البحار والأراضي السبعة وخضبت أصابعك بالدم المبارك جروحا عند كل أسلام شائكة وكل منعطف، تسقط أمام عينيك قامة عبد الناصر المديدة، أسطورتنا التي أشعلت النار وذهب بعمرنا الجميل وترك لنا ثأره.

ويدخل أطفالك، أطفال الحجارة قبورا بلا كفن، ولا قراءة الفاتحة وتصبح فلسطينك، منديل ورق في ماخور الأنظمة العربية، هكذا تتهاوى تماثيلك أيتها الشقية بالفهم : حد البهلان

وباليد الممدودة تطاولين المستحيلات

لكن ندوب الجسد لا تلحق روحك،

أعرفك، أعرف التعويذة المخبوءة في بؤبؤ عينيك الجميليتين. تطلقين البخور، العود والصندل ودم الخزامى وتفتحينهما كل صباح، تفتحين كتاب :

((…كم قد قُتلت،

وكـم قـد مـت عـنـدكـم،

ثـم انـتـفضـت فزال القبر والكفن)).

(المتنبي)