مستشفى الأطفال بالرباط
في تجربة فريدة من نوعها بالمملكة، شهد مستشفى الأطفال التابع للمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط إحداث قاعة خاصة بالموسيقى يستفيد فيها نزلاؤه من دروس في العزف على الآلات الموسيقية موازاة مع رحلة الاستشفاء بكل ما تتطلبه من معاناة وصبر طويلين سيما إذا كان الأمر يتعلق بأجساد غضة ابتلاها القدر بأمراض مزمنة تجوس فيها آناء الليل وأطراف النهار.
القاعة التي فتحت أبوابها في يناير المنصرم في إطار مشروع “الموسيقى تستقر بالمستشفى”، ونتيجة شراكة بين المركز الاستشفائي ومؤسسة الدكتور عبد الرحمان فنيش، وبدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، شهدت أمس الأحد حفلا صغيرا قدم خلاله عدد من الأطفال المستفيدين من الدروس التي قدمها لهم أساتذة موسيقى متطوعون، معزوفات على آلات البيانو والقيثارة والكمان.
إسماعيل (14 سنة)، وآسية (10 سنوات)، وخنساء (ست سنوات) وهبة الله (12 سنة)، وحفيظ وأبوبكر وغيرهم، وجدوا في دروس الموسيقى هذه سببا وجيها حول زيارتهم الأسبوعية للمستشفى من مجرد موعد لتلقي العلاج في مكان يحفل بالوجوه التي أتعبها المرض إلى فرصة للاستفادة لتعلم مهارات موسيقية صحيح أنها تبعث في قلوبهم بعض البهجة لكن لها أيضا أثرا إيجابيا في مسار علاجهم سيما من خلال الجانب النفسي.
هذا الأثر الإيجابي للموسيقى على نفوس الأطفال أكده الأخصائي النفسي بمستشفى الأطفال، محمد البارودي، الذي قال في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن مشروع “الموسيقى تستقر في المستشفى”، كرس “المكانة المركزية التي تحتله الموسيقى على مستوى ضمان الاتزان والصحة النفسية باعتبارها تقنية من التقنيات العلاجية سيما من خلال ضبط الانفعالات والتوترات ونشر الطاقة والحيوية”.
وأضاف الأخصائي النفسي “لمسنا تحسنا عند جميع الأطفال المستفيدين من المشروع”، حيث إن تقلصت مظاهر تدني مستوى تطوير الذات وانعدام الثقة في النفس والتشتت في الانتباه لدى من كانوا يعانون منها، وهو ما ساهم في استقرارهم النفسي وتحسن أدائهم الدراسي.
الأثر الإيجابي لدروس الموسيقى في المستشفى، أكدته أيضا والدة الطفل إسماعيل، التي نوهت في كلمة تلقائية بالمناسبة بجهود مختلف الأطراف الفاعلة بالمشروع، مبرزة كيف أن حصص الموسيقى التي استفاد منها ابنها مكنته، مثله مثل بقية الأطفال المستفيدين، من الخروج من القوقعة التي كانوا يعيشون فيها ومن جو المرض والمستشفى ويبعث الأمل في نفوسهم.
وحسب رئيسة مؤسسة الدكتور عبد الرحمان فنيش، السيدة نائلة فنيش، فإن فكرة مشروع “الموسيقى تستقر في المستشفى” تجد أصلها في أرشيفات الراحل عبد الرحمان فنيش، الذي كان يحث على التداوي والعلاج بالموسيقى في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
السيدة نائلة فنيش أضافت في تصريح للوكالة إن المؤسسة نظمت في إطار هذا المشروع ورشات فنية وثقافية استفاد منها أكثر من 100 طفل منذ يناير المنصرم، إلى جانب ما يفوق 120 حصة أكاديمية في الموسيقى حيث يتم تنظيم ست حصص أسبوعيا يشرف على تأطيرها أساتذة موسيقى متطوعون انخرطوا في المشروع بكثير من الحب وبرغبة كبيرة في البذل والعطاء.
ومن ضمن الأساتذة المتطوعين هناك السيدة الشراف حجيبة، وهي أستاذة زائرة بالمعهد الوطني للموسيقى والرقص بالرباط، وابنتها غيثة الخليفي، أستاذة البيانو في المعهد نفسه، اللتين أكدتا في تصريحهما للوكالة أن عملهما التطوعي في إطار هذا المشروع يأتي رغبة منهما في تكريس قيمة تقاسم المعرفة، وبعث الفرحة في نفوس الأطفال المرضى والتخفيف من معاناتهم.
وفيما أكدت الشراف أن تلقين الموسيقى للأطفال في المستشفى “فكرة هائلة” قد تشكل فرصة لاكتشاف مواهب جميلة في صفوفهم، أبرزت ابنتها أن الدروس التي تقدمها مكنت من الأطفال من تعزيز ثقتهم في أنفسهم وأخذ الكلمة أمام العموم والتخلص من الانطواء.
بدورها، أكدت سلمى محبوب، وهي أستاذة بالمعهد الوطني للموسيقى ومهنية صحة مختصة في تقويم النطق بمستشفى الأطفال أيضا، أن الهدف من هذه الحصص هو تخفيف الضغط النفسي الواقع على الأطفال بسبب مرضهم، معربة عن الأمل في يتم تعميم هذه الفكرة على باقي مستشفيات المملكة.
فكرة التعميم هذه أكدت نائلة فنيش أن المؤسسة بصدد الاشتغال عليها مع الجهات الوصية، وهو ما أكده أيضا نائب مدير مستشفى الأطفال بالرباط، محمد الامراني، في تصريحه للوكالة حين وصف مشروع “الموسيقى تستقر بالمستشفى” بالتجربة التي “نطمح لتعميمها في باقي مؤسسات المركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا ومختلف مستشفيات المملكة”، مؤكدا أن هذه الشراكة بين المجتمع المدني والمؤسسات الاستشفائية ووزارة الشباب والثقافة والتواصل “بادرة تستحق التشجيع”.
وعن هذا التشجيع الذي تحظى به المبادرة، يقول رشيد مصطفى رئيس قسم التعاون بوزارة الشباب والثقافة والتواصل- قطاع الثقافة، إنه يندرج في إطار تعزيز دور الفن باعتباره مكملا للعملية العلاجية ومساهما في تجاوز تداعيات الأمراض، مؤكدا حرص الوزارة على تطوير هذا المشروع وضمان توسيعه ليشمل مؤسسات استشفائية أخرى باعتباره من المشاريع التي تنفتح على فضاء جديد هو المستشفيات، وباعتبار مساهمته في رفع رهان تقريب الفن من المواطنين وسيما الأطفال منهم.
هذا الرهان بدا رابحا في القاعة الصغيرة في المستشفى الكبير في حفل أمس إذ عاش الحاضرون فيه لحظات ممتعة أنسهم نسبيا ذكر المرض والمعاناة، حيث شنفوا أسماعهم بمعزوفات وأغان أدتها أنامل وحناجر صغيرة، من ضمنها معزوفة أداها الطفل إسماعيل على البيانو رفقة أستاذه هشام بنموسى لم يكن غريبا أن يكون صاحبها هو الموسيقار الألماني بتهوفن تماما مثلما لم يكن غريبا أن يكون عنوانها “أنشودة الفرح”.
مستشفى الأطفال بالرباط